تنافس عالمي للسيطرة على الفضاء

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تنافس عالمي للسيطرة على الفضاء, اليوم الخميس 31 يوليو 2025 11:34 صباحاً

في منتصف القرن العشرين، اشتعل أول سباق فضائي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. كان هدفهما آنذاك ريادة الفضاء عبر إطلاق أول قمر اصطناعي ووضع أول إنسان في المدار. وبالفعل أطلق الاتحاد السوفياتي أول قمر صناعي في التاريخ (القمر الصناعي سبوتنيك عام 1957)، ثم أرسلوا يوري جاجارين كأول إنسان إلى الفضاء في 1961. وبعد وصول الإنسان إلى القمر عزيزي القارئ، هدأ التنافس لفترة. لكن اليوم نشهد سباقا جديدا نحو الفضاء، حيث تشارك فيه دول عديدة بطموحات تتجاوز مجرد الوصول إلى القمر، حيث تسعى كل دولة لإثبات حضورها القوي في الفضاء.

لا تزال الولايات المتحدة وروسيا تتصدران مشهد المنافسة الفضائية التقليدي. حيث تخصص الولايات المتحدة ميزانية ضخمة لبرامج الفضاء، فميزانية ناسا وحدها تفوق 25 مليار دولار سنويا. وفي المقابل، تحمل روسيا إرث الاتحاد السوفياتي في الفضاء، ولا تزال تقوم بدور محوري عبر مشاركتها في تشغيل محطة الفضاء الدولية وبرامج أخرى، رغم ما تواجهه من تحديات مالية وتقنية مؤخرا.

الصاعد الأكبر في العقود الأخيرة هو الصين. حيث انضمت الصين متأخرة إلى نادي الفضاء لكنها حققت إنجازات سريعة ومدهشة. أطلقت رواد فضاء إلى مدار الأرض ابتداء من عام 2003، وبَنت محطة فضائية حديثة تدور حول الأرض. كما نجحت في إرسال مركبات فضائية إلى القمر وإنزال روبوتات عليه، لتصبح أول دولة تهبط على الجانب المظلم من القمر في 2019. ليس هذا فحسب، بل جلبت عينات من القمر إلى الأرض لأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي عام 2021، حطّت مركبة صينية (المسبار تشورونغ) على سطح المريخ لاستكشافه، لتثبت الصين أنها منافس قوي للولايات المتحدة وروسيا في سباق الفضاء. تُرافق هذه الإنجازات زيادة مستمرة في تمويل برنامج الفضاء الصيني الذي وصلت نفقاته لنحو 14 مليار دولار عام 2023، أي حوالي نصف ميزانية ناسا تقريبا.

وفي المقابل أوروبا فهي قوة فضائية من نوع آخر، إذ تعمل عبر تعاون دولي يجمع عدة دول تحت مظلة وكالة الفضاء الأوروبية (ESA). حيث أوروبا تمتلك قاعدة تكنولوجية متقدمة في مجال إطلاق الأقمار الاصطناعية والمركبات العلمية. على سبيل المثال، صممت برنامج أريان للصواريخ الحاملة الذي يخدم إطلاق الأقمار للعديد من الدول، ولعبت دورا رئيسيا في مشاريع عالمية مثل محطة الفضاء الدولية وتلسكوب جيمس ويب الفضائي (بالشراكة مع ناسا).

كما قادت أوروبا مهمات طموحة مثل مهمة المسبار روزيتا الذي التحم بمذنّب عام 2014، ومشروع منظومة جاليليو للملاحة وتحديد المواقع. كل هذه الإنجازات تجعل الاتحاد الأوروبي لاعبا أساسيا في ميدان الفضاء، مدعوما بميزانيات سخية من الدول الأعضاء لتعزيز مكانته التنافسية.

لم يَعُد التنافس الفضائي حكرا على القوى التقليدية فقط عزيزي القارئ، فهناك دول أخرى تشق طريقها بقوة في هذا المضمار. أبرز مثال حديث هو الهند التي أظهرت طموحا كبيرا وإنجازات ملحوظة. في عام 2014 أرسلت الهند مركبة فضائية إلى مدار المريخ، لتصبح بذلك أول دولة آسيوية تصل إلى الكوكب الأحمر وأول دولة في العالم تنجح في ذلك من المحاولة الأولى. كما أطلقت الهند سلسلة من مهمات تشاندرايان لاستكشاف القمر، ونجحت في 2023 في تحقيق هبوط سلس لمسبار على سطح القمر بعد محاولات سابقة. تتميز الهند بأنها تدير برنامج فضاء منخفض التكلفة نسبيا لكنه فعّال، مما أكسبها احتراما عالميا وجعلها من اللاعبين الصاعدين بقوة. ولا تتوقف طموحات الهند عند هذا الحد، فهي تخطط لإرسال رواد فضاء هنود إلى المدار في أول مهمة مأهولة تحمل اسم جانجان خلال السنوات القليلة المقبلة.

على جانب آخر من العالم، برزت نيوزيلندا كمساهم غير تقليدي في سباق الفضاء. فبالرغم من حجمها الصغير وبعدها عن مراكز التقنية التقليدية، أصبحت نيوزيلندا منصة إطلاق مهمة للشركات الخاصة. تستضيف نيوزيلندا موقع إطلاق لشركة Rocket Lab الأمريكية النيوزيلندية، والتي تخصصت في إطلاق الصواريخ الصغيرة لوضع أقمار اصطناعية في المدار. انطلقت عشرات المهام الناجحة لصواريخ "إلكترون" من ساحل نيوزيلندا حاملة أقمارا اصطناعية لمختلف الدول والشركات. هذا الحضور لنيوزيلندا في مجال الإطلاق الفضائي يوضح أن السباق الفضائي يشمل حتى الدول الأصغر عبر التعاون مع القطاع الخاص واحتضان منصات الإطلاق على أراضيها. إلى جانب نيوزيلندا، هناك دول أخرى أيضا دخلت المجال أو تخطط لذلك مستقبلا (مثل الإمارات العربية المتحدة التي أرسلت مسبارا للمريخ في 2020، وكوريا الجنوبية التي تطور صواريخها الخاصة)، مما يدل على اتساع رقعة المشاركين في السباق الفضائي عالميا.

تتجه المملكة العربية السعودية، بخطى ثابتة نحو تعزيز مكانتها في قطاع الفضاء العالمي، مستفيدة من استثماراتها الاستراتيجية ورؤيتها الطموحة لعام 2030. من أبرز هذه الخطوات تأسيس الهيئة السعودية للفضاء، وتوقيع شراكات مع وكالات فضاء عالمية مثل "ناسا" و"وكالة الفضاء الصينية"، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات مثل برنامج "رواد الفضاء السعوديين" ومشروع "القمر السعودي للاتصالات" الذي يهدف لتقديم خدمات اتصالات متطورة في المنطقة. من المتوقع أن تقوم السعودية بدور محوري في الاقتصاد الفضائي العالمي، من خلال تطوير تقنيات محلية ودعم الابتكار واستقطاب الخبرات العالمية لبناء قاعدة وطنية قوية في هذا القطاع الواعد.

في ظل هذا الإدراك لأهمية الفضاء، تواصل الدول ضخ الاستثمارات في برامجها الفضائية وتوسيع آفاق التعاون مع الشركاء الدوليين والقطاع الخاص.

قد يكون التنافس محتدما في بعض الأحيان، لكنه أيضا يدفع عجلة الإبداع إلى الأمام ويحفّز الجميع للوصول إلى إنجازات غير مسبوقة. وكما كان الوصول إلى القمر خطوة عملاقة للبشرية قبل عقود، فإن ما نشهده اليوم من سباق عالمي للسيطرة على الفضاء قد يفضي إلى خطوات أعظم نحو مستقبل مزدهر تتصدر فيه البشرية الصفوف بين النجوم.

nabilalhakamy@

0 تعليق