نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بوابة الجريمة الناعمة: استقدام يتخفى خلف القوانين, اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025 11:34 صباحاً
في مشهد دولي معقد، تتقاطع فيه السياسة بالقانون، والمصلحة بالأخلاق، برزت ظاهرة خطرة تعرف بـ «التواطؤ الصامت مع الجريمة»، وتتمثل في سلوك بعض الدول أو الأطراف داخلها، حين تحول ملف الاستقدام العمالي إلى نافذة خلفية لتصدير الخارجين عن القانون إلى دول أخرى، لا كمجرمين مكشوفين، بل كعمالة مستترة تتخفى خلف عقود، وتمرر عبر وسطاء، وتباع تحت عناوين «الخبرة» و«الرغبة بالعمل»، بينما حقيقتها أنها قنابل سلوكية مؤجلة، تنفجر عند أول احتكاك بالمجتمع المستضيف.
هذا الفعل، وإن بدا مقبولا من الناحية السياسية في دوائر البراغماتية الباردة، إلا أنه من الناحية القانونية والأخلاقية، صورة من صور الغدر المنظم، لا تختلف كثيرا عن تصدير المشاكل البيئية أو النفايات النووية، بل هي أشد وطأة لأنها تمس كيان المجتمع، وسلامته النفسية، والأمن العام. فالدولة التي تعلم بأن بعض مكاتب استقدامها تروج مجرمين سابقين، أو أصحاب سوابق سلوكية، أو تجمل ملفاتهم لتسويقهم، ثم تغض الطرف عن ذلك، إنما تتواطأ صراحة مع إجرام قد يطال الأبرياء في دول أخرى.
وفي الغالب، لا تتم هذه الجرائم بطريقة مباشرة، بل تأتي محمولة على أكتاف (المعروض الوظيفي)، أو بحجة (الفرص الاقتصادية)، فتسافر الجرائم متنكرة في زي عمالة بريئة، ثم تتحول فجأة إلى سلوكيات سرقة واحتيال ونصب ومخدرات واعتداءات سلوكية وجنسية، وكلها تفاجئ المجتمع الذي وثق، واستضاف، وفتح بابه، لا ليؤذى، بل ليبنى.
وقد يكون الأسوأ من هذا هو أن بعض المسوقين في بلد المصدر يتفاهمون مع نظرائهم في بلد الاستقدام، ليقدموا قائمة بمن يريدون التخلص منهم داخليا، تحت شعار «فرص العمل في الخارج»، بينما هي في الحقيقة سياسة قذرة لتصدير الأزمة والسلوك الفاسد، وتوريط المجتمع الآخر به.
ولو أردنا تشبيه هذا السلوك السياسي الوظيفي، لقلنا إنه كالذي يلبس الشيطان ثوب ملاك، ويدخله بيت جارك، ثم يتعجب من الخراب.
وما يزيد الطين بلة، أن بعض هذه الدول ترى في هذا التواطؤ فرصة اقتصادية: «دعهم يعملون هناك، ويحولون لنا الأموال، وإن أفسدوا فليتحمل المجتمع الآخر وزر ذلك». ومن هنا، لا تعد المسألة مجرد فوضى استقدام، بل جرائم عابرة للحدود يمهد لها قانونيا ويسكت عنها سياسيا.
ومن هنا، فإن الواجب على الدولة المستقبِلة أن تكون أكثر وعيا في إدارة هذا الملف، وألا يترك الاستقدام للعشوائية، ولا يسلم للمكاتب التجارية التي لا تهمها سوى الأرباح، بل يجب أن يدار بعقلية الأمن الوقائي، والعدالة الاجتماعية، والاقتصاد المنظم.
الحل: نحو استقدام آمن ومدرب
ليس الحل في إغلاق أبواب الاستقدام، بل في تدقيق المفاتيح. حين نستقدم عمالة مدربة ومؤهلة وموثقة، نقصي الحيل، ونغلق على المستترين بثوب العمل. وبدل أن نكون ملاذا للهاربين من القانون، نكون منصة لصناعة الكفاءة الإنتاجية.
إن بناء مسار شفاف للاستقدام، يخضع العامل لتدريب مهني، وتقييم نفسي، وتوثيق سلوكي، يسهم في خلق شبكة حماية قانونية للمجتمع، ويقطع الطريق على من يستثمرون في تصدير الإجرام.
ختاما: القانون لا يدار بالنية، بل بالنية والوقاية، لقد آن الأوان أن يدار ملف الاستقدام كملف سيادة وعدالة، لا فقط كخدمة تجارية. وعلى الدول الواعية أن تدرك أن كل من خان المعروف، وتواطأ على أمن الغير، قد يصعد لحظة، لكنه يسقط في النهاية.
وكما قال الحكماء: من أطعم الذئب، علمه أن يطرق الباب كل ليلة.
expert_55@
0 تعليق