نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين تصرخ الأم, اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025 09:52 مساءً
حين يعلو الصوت بالصراخ، فإن الرسالة لا تصل كما يظن الكبار. ولا تعني تلك النبرة الحادة بالنسبة للطفل التوجيه، ولا القلق، ولا حتى الغضب كقيمة تربوية، بل يفهمها كخطر، كزلزال يهز أمانه من جذوره. لا يستوعب الطفل البعد المنطقي للأمور، ولا يملك أدوات تحليل نوايا الكبار، لكنه يملك قدرة فطرية على الإحساس بالخوف، وهذا ما يصنعه الصوت المرتفع، فهو ليس سلوكا يهذب، بل شعور يخيف، وليس محتوى معرفيا أو معلومة تخزن في ذاكرته، بل أثر عاطفي عميق ينحت في نفسه.
الكثير من الأمهات - بدافع الحب أو الضغط أو القلق - يرفعن أصواتهن ظنا أن الصوت العالي ينبهه أو يعدل سلوكه، لكن الحقيقة أن الصراخ لا يعلّم، بل يعكر. فالطفل لا ينصت حين يسمع صوتا مرتفعا، بل ينغلق على نفسه، أو يتجمد، أو يتعلّم مع الوقت أن الصراخ هو اللغة التي يُرد بها على الاختلاف أو عدم الرضا.
وهكذا، تتكون سلسلة من ردود الأفعال المتكررة، الأم تصرخ والطفل يرد بصراخ أعلى فترد أعلى وأعلى، وتصبح البيئة المنزلية حلبة صراع صوتي، لا حضنا للتفاهم ولا مدرسة للعاطفة.
من يريد أن يربي عقلا متزنا، عليه أن يبدأ أولا بتربية الصوت الذي يخاطب به ذلك العقل. فالكلمات حين تخرج بهدوء، تحمل قوة أكبر من الصراخ، لأن الهدوء يتيح للعقل أن يفكر، بينما الصوت الغاضب يملأ المساحة بمشاعر الخوف والقلق والتوتر ولا يترك للعقل فرصة للفهم.
الطفل لا يحتاج أما كاملة، ولا يتوقع منها أن تكون صامتة دائما، لكنه يحتاج حضنا آمنا حين يخاف، لا مصدرا للخوف، ويحتاج من يصحّح له دون أن يصرخ عليه، ومن يضع له حدودا دون أن يزلزل أرضه بالصوت. وفي النهاية، ما يبقى من الأم في ذاكرة الطفل ليس فقط ما قالت... بل كيف قالت.
aziz33@
0 تعليق