الحارس المنسي في حرب الطاقة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحارس المنسي في حرب الطاقة, اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025 09:52 مساءً


في كل يوم، تواصل مبانينا معركتها الصامتة ضد قسوة الطقس، من حرارة الصيف اللاهبة إلى صقيع الشتاء القارس. لكن هل أدركنا يوما أن حارس هذه المعركة الأول، وهو «غلاف المبنى»، قد يكون مهجورا ومنسيا؟ في عالم يلهث خلف الاستدامة، لم يعد تحسين كفاءة الطاقة ترفا، بل هو استثمار في بقاء مبانينا وراحتنا. إن مفتاح تحقيق هذا الهدف يكمن في إيقاظ هذا الحارس المنسي، وتأهيله لمواجهة تحديات المستقبل.

قد يجد هذا المقال صدى واسعا في الأوساط المعمارية، وربما يكون بمثابة إضافة قيّمة لموضوع لطالما استنزف جهد المعماريين في محاولة إبرازه. ويسعدني الآن أن أقدم وجهة نظري حوله.

يعد العزل الحراري خط الدفاع الأول، ولكن كم مرة تساءلنا عن حاله خلف الجدران والأسطح؟ إن التدقيق الفعال لا يكتفي بالنظر إلى المخططات القديمة، بل يتطلب غوصا في أعماق أرضية العلية والأقبية، حيث يختبئ العزل المتهالك.

هناك، تكشف كاميرات التصوير الحراري عن حقيقة مرعبة، فجوات وفراغات تكاد لا تُرى، لكنها تستنزف طاقة المبنى بلا رحمة. يجب أن ندرك أن أي عزل مضغوط أو تالف يفقد جزءا كبيرا من فعاليته. إن إصلاح هذه الفجوات هو الخطوة الأولى لإعادة الحياة إلى غلاف المبنى.

وإذا كان العزل هو درع المبنى، فإن النوافذ والأبواب هي نقاط ضعفه المكشوفة. حتى أحدث النوافذ المزدوجة، لا تزال ثغرة أمام الجدران المعزولة بشكل جيد.

في المباني العالية ذات الإطارات المعدنية، يمكن أن تكون هذه الإطارات «جسورا حرارية» تنقل البرودة والحرارة مباشرة إلى الداخل. لحسن الحظ، لا يزال بإمكاننا إحداث فرق كبير. فإضافة نوافذ عازلة (storm windows) أو استبدال الزجاج المفرد بآخر مزدوج يقلل من هذا الهدر. أما الأبواب، فلا تزال الكثير منها غير معزولة، وتكشف الشقوق المحيطة بها عن هدر مستمر للطاقة.

لكن الخطر الأكبر يأتي من الهواء نفسه. إن «تأثير المدخنة» (Stack Effect)، الذي يدفع الهواء الدافئ إلى الأعلى ويسحب البارد إلى الداخل، هو عدو صامت يشتد بأعلى مستوياته في المباني الشاهقة. أدوات مثل جهاز «نافخة الباب» (Blower Door) تكشف عن هذا العدو، وتحدد مواقع تسربه من السلالم والمصاعد والأبواب. لعل إغلاق هذه الفتحات الكبيرة هو ضرورة قصوى لمنع استنزاف الطاقة.

في النهاية، لا يقتصر دور مدقق الطاقة على تقديم تقرير جاف عن الأرقام. بل هو أشبه بالمحقق الذي يكشف عن أسرار المبنى، ليُظهر كيف يمكننا تحويل كل نقطة ضعف فيه إلى فرصة للقوة. إنها دعوة لأصحاب المباني لإعادة تقييم استثماراتهم، وإدراك أن الحفاظ على غلاف المبنى ليس مجرد إنفاق، بل هو استثمار في مستقبل أكثر استدامة وكفاءة.

HUSSAINBASSI@

أخبار ذات صلة

0 تعليق