منحت إجازة منتصف الفصل الدراسي الأول للطلبة والمعلمين فرصة للتوقف المؤقت عن رتابة الدراسة المتسارعة، في تجربة جديدة أثارت نقاشاً واسعاً في جدواها، وتأثيرها في التحصيل الأكاديمي، بين من رآها «استراحة محارب» ومن رآها «قطعت نسق التعلم»، تعددت وجهات النظر في الأوساط المدرسية بين مؤيد ومتحفظ، في ظل تحوّل هذه الإجازة إلى تجربة تقييمية تستشرف الوزارة عبرها أفضل ممارسات التوازن الأكاديمي والنفسي.
وتجمع آراء الطلبة على أن الإجازة القصيرة التي امتدت من 13 إلى 19 أكتوبر جاءت في توقيت مناسب بعد أسابيع من الجهد والاختبارات الأسبوعية والتحصيل الدراسي.
يقول الطالب محمد الأمين، في الصف الحادي عشر: «كنا بحاجة إلى هذه الإجازة، فقد شعرنا بأن الفصل الدراسي بدأ بوتيرة عالية، ومع ازدياد المهام والاختبارات شعرنا بالإرهاق، فجاء هذا الأسبوع فرصة لإعادة الشحن الذهني».
وأضاف: «الإجازة جعلتني أعود بحماسة أكبر. والابتعاد المؤقت عن الرتابة الدراسية أعادت لي الرغبة في المذاكرة، والعودة إلى المدرسة بطاقة إيجابية».
وتقول الطالبة عائشة العامري، عبر إحدى المنصات الرقمية الطلابية: «واجهنا صعوبة في استرجاع بعض المعلومات عقب العودة، خصوصاً أننا في مرحلة مراجعة مستمرة للدروس، فكان الانقطاع مفاجئاً لنا، لاسيما أن اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بعد شهر من الآن».
راحة نفسية وتجديد للعزيمة
من منظور نفسي وتربوي، يؤكد عدد من المعلمين أن الإجازة القصيرة كان لها أثر إيجابي في الطلبة والهيئة التدريسية على السواء، يقول حمدان صالح، معلم رياضيات في مدرسة حكومية: «لاحظنا عند العودة أن الطلبة أكثر تفاعلاً واستعداداً، والصفوف أكثر هدوءاً وتركيزاً، يبدو أن الانفصال المؤقت عن البيئة الدراسية أسهم في تخفيف الضغط النفسي لديهم».
وتضيف أمينة عبد الهادي، معلمة لغة عربية: «الأسبوع القصير منحنا وقتاً لمراجعة خططنا الدراسية، وتصحيح بعض المسارات في أساليب التدريس. كما استفاد بعض المعلمين من الإجازة في حضور ورش تطوير مهني أو المشاركة في أنشطة أسرية افتقدوها منذ بداية العام. والراحة النفسية أصبحت ضرورة في بيئة تعليمية متسارعة تتضمن مشاريع وأدوات تقييم متنوعة، وأن فترات التوقف القصيرة تمثل صمام أمان يحافظ على الدافعية».
تباينت آراء أولياء الأمور في جدوى إجازة منتصف الفصل. فبينما رآها بعضهم «مكافأة مشروعة»، رأى آخرون أنها «أربكت جدول الأسرة»، تقول مريم عبدالله، وليّة أمر عبر تجمع نقاشي بمدرسة بدبي: «الإجازة كانت فرصة لقضاء وقت أسري ممتع، بعيداً من ضغط الواجبات والمذاكرة، كما أنها منحتنا وقتاً للتخطيط لبقية العام».
لكن عيسي المهيري، ولي أمر لطالب في الحلقة الثانية بمدرسة الرازي، يرى أن الإجازة لم تكن ضرورية: «الأبناء عادوا وقد نسوا جزءاً مما درسوه، خصوصاً أن بعضهم لم يستغل الوقت في مراجعة أو قراءة مفيدة، بل قضوه في الألعاب الإلكترونية على الرغم من محاولاتنا تحديد عدد ساعات استخدامهم للشاشات وتنظيم الوقت».
ويشير بعض أولياء الأمور إلى أن التجربة ستكون أكثر فاعلية إذا صاحبتها برامج مدرسية تطوعية أو نشاطات افتراضية توجّه الطلبة نحو استخدام الإجازة في ما يفيدهم.
المدارس تستفيد من الوقت لتنظيم الخطط
بعض المدارس بدبي، أكدت إداراتها أنها استفادت من الإجازة القصيرة لترتيب ملفاتها الإدارية والفنية، حيث أعلنت مدارس عبر منصات رقمية أنها استثمرت الإجازة في متابعة ملفات الأداء، وتحديث الجداول، وإعادة توزيع بعض المهام بين المعلمين. كانت فرصة لاستراحة تنظيمية أكثر من كونها مجرد عطلة.
كما أطلقت بعض المدارس حملات إلكترونية خفيفة عبر منصاتها الرقمية لتشجيع الطلبة على القراءة أو مراجعة الدروس بطريقة مرنة، من دون أن يتحول الأمر إلى عبء دراسي. وأكدت عبر تعميم «أن الهدف من الإجازة هو التوازن لا الانقطاع، لذلك حرصنا على التواصل الخفيف مع الطلبة بتحديات معرفية قصيرة ومسابقات رقمية».
عودة ملأى بالحيوية
بعد أسبوع من الراحة، يلاحظ بعض المعلمين أن عودة الطلبة إلى رتابة الدراسة يتطلب بضعة أيام من إعادة التهيئة. يقول المعلم محمد المنصوري: «اليوم الأول بعد الإجازة هادئ أكثر من المعتاد، ويستغرق الطلاب وقتاً لإعادة الانسجام مع الجدول اليومي».
غير أن معظم المدارس أكدت أن هذا البطء مؤقت، وسرعان ما استعاد الطلبة نشاطهم مع بداية الأسبوع الثاني، مشيرة إلى أن «المزاج الدراسي العام أصبح أكثر انضباطاً، حيث يشعر الطلبة في أول يوم أنهم لا يزالون في جو الإجازة، لكن بعد الحصة الثانية سريعاً ما يعودون إلى التركيز، ويصبحون أكثر قدرة على الاستيعاب».
ويقول تربويون، إن اعتماد إجازة منتصف الفصل يأتي ضمن سياسة تعليمية تهدف إلى تعزيز جودة الحياة المدرسية ورفع مستويات السعادة لدى الطلبة والكوادر التعليمية.
تحقيق توازن
يقول خالد عيسى، تربوي، إن «وزارة التربية تسعى إلى تحقيق توازن بين متطلبات المناهج وضغط التقييمات وبين حاجة المجتمع التعليمي إلى الراحة. والتقويم الدراسي الحديث أصبح مرناً بما يسمح بإعادة جدولة الفصول الدراسية وفق إيقاع أكثر إنسانية. ونجاح الإجازة لا يُقاس بمدى الراحة فقط، بل بمدى انعكاسها على الأداء عند العودة، وعلى مستوى الطاقة الذهنية والتحصيل. هذه مؤشرات يمكن قياسها خلال الأسابيع المقبلة».
مؤكداً أن منح فترات راحة قصيرة خلال العام يساعد على خفض معدلات التوتر والغياب، ويحسّن الأداء الأكاديمي على المدى الطويل، وهو ما أثبتته تجارب عالمية في التعليم الفنلندي والياباني، حيث تدخل فواصل قصيرة داخل العام الدراسي لرفع كفاءة التعلم. وأضاف أنه على الرغم من الترحيب العام بالتجربة، فإنها تحتاج إلى دراسة أعمق لتحديد مدى تأثيرها في التحصيل الدراسي، خاصة في المراحل النهائية من الدراسة، ويقترحون أن ترافقها استبيانات للطلبة والمعلمين، لمعرفة الجوانب التي يمكن تطويرها مستقبلاً.
تجربة جديدة
وأضاف: إن إجازة منتصف الفصل الدراسي تجربة جديدة كسرت نمطية العام الدراسي الطويل، وفتحت الباب أمام رؤية مختلفة لجدولة الوقت بين الجهد والراحة. فبين من استغلها في النشاط الأسري والسفر، ومن جعلها فرصة للمراجعة الذاتية، ومن ضيّعها في اللهو الرقمي، تجمع الآراء على أنها أسبوع ترك بصمته، سواء في تجديد الحافز أو في طرح أسئلة حول معنى التوازن الدراسي والنفسي. وبينما تتجه الوزارة لتقييم التجربة، تبدو الأصوات التربوية متفقة على أن الإجازة القصيرة لم تكن «وقتاً ضائعاً» بقدر ما كانت «استثماراً في صحة المجتمع المدرسي بأكمله».
0 تعليق