نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
النهضة السينمائية الفلسطينية, اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 10:12 مساءً
يعد فيلم "اللي باقي منك" أحد أوائل العروض في المهرجان، وهو عمل يبرز من خلال طريقة صناعته والجهد الكبير الذي سبقه؛ إذ مر الفيلم بمراحل إنتاج معقدة واجه خلالها فريقه تحديات متصلة بالتصوير ثم التأجيل والتمويل، ورغم هذه الصعوبات، استطاع صنَّاعه تقديم سردية تنطلق من تجربة شخصية لتتسع إلى حكاية جماعية، مستخدمين بناءً بصريًا ولغويًا يعكس تحولات الزمن وطبقات من الذاكرة. ويأتي الفيلم ضمن موجة من الأعمال التي تعيد مقاربة التاريخ من منظور إنساني مباشر، دون الوقوع في التقريرية أو الخطابة، مع تأكيد على تأثير هذه التحولات على ثلاثة أجيال متعاقبة.
أما فيلم "فلسطين 36" فيعود إلى السنوات الأولى من الاحتلال، مركزًا على الدور البريطاني وسياسات القمع التي سبقت التغييرات الأكثر شهرة في العقود اللاحقة. يختار الفيلم أن يبتعد عن صيغة البطل الواحد، ليقدم بدلاً منها مجموعة شخصيات تتقاطع خطوطها داخل سياق واحد، ما يمنحه بعدًا توثيقيًا أقرب إلى تجميع شهادات بصرية. ويبرز العمل أيضًا من خلال عنايته بالتمثيل الدقيق للهجة والملامح الثقافية لفلسطين في الثلاثينيات والأربعينيات، وهو عنصر أساسي في بناء مصداقيته التاريخية. بهذه المقاربة، لا يسعى الفيلم إلى إعادة سرد أحداث معروفة فحسب، بل إلى استكشاف أثر تلك المرحلة على البنية الاجتماعية والسياسية التي تبلورت لاحقًا.
كما يعتمد فيلم "صوت هند رجب" على بنية سينمائية قريبة من نموذج فيلم "The Guilty" حيث يعتمد على محادثة واحدة بين طفلة في السادسة من عمرها وعامل في الهلال الأحمر، مع بقاء الأحداث في موقع واحد. غير أن الفيلم يستخدم هذه المحدودية المكانية بطريقة توسع من أفق المشاهد البصري، كما أن رواية الحكاية بالعناصر المرئية الموجودة كانت من أهم نقاط قوة الفيلم، فمن بين المشاهد المميزة ظهور وجه عمر من خلف الزجاج مائلًا نحو اليسار، بينما يظهر انعكاس مهدي في الاتجاه المعاكس، في تجسيد بصري لخلافهما. وفي مشهد آخر، يعرض مهدي صعوبة الحصول على الإذن عبر رسمهِ لخطوط متقاطعة مرسومة بشكل يشبه علامة اللانهاية، في إشارة رمزية إلى تكرار الإجراءات وتعطل أي محاولة للنجاة.
وفي الجانب المقابل يكتسب الفيلم أهمية إضافية بالنظر إلى رئاسة شون بيكر للجنة التحكيم هذا العام، وهو المعروف بدفاعه ضد الإنتاجات التجارية الضخمة. إذ تأتي أعمال مثل صوت هند رجب لتؤكد القيمة التي يمكن أن تحققها الأفلام ذات الميزانيات المحدودة، وقدرتها على إحداث تأثير فني وعاطفي قد يتفوق على الاستعراض الإنتاجي التقليدي.
في الختام، يكفي أن تنظر إلى أسماء هذه الأفلام لتفهم طبيعة كل عمل ودوره في الحراك السينمائي الفلسطيني. "اللي باقي منك" شخصيًا للغاية، متتبعًا امتداد حياة العائلة عبر ثلاثة أجيال، إذ لا بد أن يكون موزونًا إيقاعيًا ويمر بين حالات الاستقرار والحيرة، الغضب والضحك، والسلام. "فلسطين 36" من اسمه يوثق حالة فلسطين في العام ذاته، ليصبح شهادة بصرية دقيقة ومركزة على الواقع التاريخي والاجتماعي، بينما "صوت هند رجب" يضع تسجيلاتها في قلب السرد، ليصبح الصوت نفسه بطلاً، باعثًا على التأثير العاطفي. بهذه الطريقة، تؤكد الأعمال الثلاثة أن السينما الفلسطينية قادرة على أن تحكي ذاتها بصدق وعمق.
هذه الأعمال تثبت أن السينما الفلسطينية ذكية، وتطورها خطوة إيجابية لكسب الرأي العام بطرق سلمية وفاعلة، لتصبح القصة والكاميرة سلاحًا للتغيير والتأثير.

















0 تعليق