الملاكم الأشقر وقلب الطاولة على الدولة العميقة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الملاكم الأشقر وقلب الطاولة على الدولة العميقة, اليوم الاثنين 19 مايو 2025 11:31 صباحاً

القوة، والهيبة تفرض ولا تؤخذ. أن تكون رئيسا لدولة هي الأقوى في العالم، هذه مهمة مكلفة ومرهقة. من أراد كتابة تاريخه الخاص، يجب عليه مخالفة السجلات الماضية. المؤشرات غير ثابتة. اللعبة اليوم تعتمد على المال والسياسة، والإعلام.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعي أن مفاتيح الاقتصاد والمال؛ ببناء الشراكات الاستراتيجية. وقناعته بأن السياسة، تقوم على التقارب مع الحلفاء لا الابتعاد عنهم. ويعرف كيف يستغل الإعلام. إذ لا يدع مجالا من نوافذه إلا ويطل منها.

كلمته التي ألقاها في الرياض الأسبوع المنصرم، يمكن تجريدها من كونها خطابا. هي حملة كبرى وجهها للحليف والند محليا وخارجيا. وحتى الأعداء والخصوم.

لم يبقي الرجل ولم يذر. وضع كل شيء في نصابه الصحيح. جاء معيدا لعلاقات بلاده مع الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج على وجه التحديد، أولها السعودية.

حاول تصحيح أخطاء سلفه جو بايدن، الذي يعيش في غياهب الجب، وتسبب بعزل أمريكا عن أهم منطقة استراتيجية في العالم، أعني السعودية والخليج. لا يزال يعالج خديعة باراك أوباما، المتجسدة باتفاق نووي مع إيران الذي أبرم في جنح الظلام. دون شك شعر الخليجيون وقتذاك بالطعنة.

يدرك ترامب أنه لا يمكن إعادة تموضع العلاقات الأمريكية - الخليجية، بينما تمضي إيران قدما بتخصيب اليورانيوم. لذا علق الجرس ضد برنامجها النووي. ونبهها من الاستمرار بسياسة الزعزعة. وفرض عليها خيارا واحدا، إما التخلي عن منهجيتها السابقة أو المواجهة.

ماذا بعد؟ أضفى على حكومة أحمد الشرع في دمشق، الشرعية الدولية التي كان ينتظرها منذ دخوله قصر الشعب. كان ترامب حتى وقت قريب، يرفض وجود الشرع على قيد الحياة، لا رئيسا لدولة. لكن توجيه الملك سلمان الذي نفذه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حال دون ذلك. إذ تمكن من إقناع ترامب، بأن يمنح الشرع فرصة. واستطاع جمعهما ببعض. المحصلة: إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا منذ أكثر من أربعين سنة. أي إبان حكم حافظ الأسد.

في الحقيقة هذا انتصار سياسي سعودي تحقق بأيام. بينما لم يتمكن الأسد الأب من إنجاز أقل من ذلك. كان منشغلا بمناكفة صدام حسين، و «يا صبحة هاتي الصينية». بينما انخرط الابن «الأسد الفار الصغير» بعد والده، بالتصفيات السياسية بسوريا ولبنان. وترويض الشعب.

على كل حال تنفس السوريون أخيرا. إنما هناك طرف خفي متضرر. من هو؟ إسرائيل. كيف؟ عبر تجاهلها وعدم إخطارها بالأمر. لماذا؟ لأن ترامب تعمد تهميش بنيامين نتنياهو. وهذا نابع من قناعتين هامتين لديه. ما هما؟ الأولى: أن إسرائيل تقدم لأمريكا حروبا. في مقابل أن دول الخليج تقدم مشاريع، واستثمارات تريليونية. لذا فتلبية الطلب السعودي برفع العقوبات عن دمشق، يحقق مكاسب، أكثر من خسائر حكومة البطش الإسرائيلية.

المهم؛ أن الخطاب يبطن الكثير من الرسائل. مثل ماذا؟ الإنصاف أولا. ثانيا: قمع المتعالين الغربيين على المملكة، والمنطقة. كيف؟ قال ترامب «على العالم أجمع أن يعي أن التحول الذي تشهده السعودية، لم يأت بتدخلات الغرب، أو من أشخاص ينتقلون بطائرات فاخرة، ليلقوا محاضرات، عن كيفية العيش وإدارة شؤونكم. ولادة شرق أوسط حديث، جاءت على يد شعوب المنطقة أنفسهم، الناس الذين يعيشون بها، والذين عاشوا طوال حياتهم وهم يطورون أوطانهم ذات السيادة، ويتبعون رؤاهم الخاصة، ويرسمون مصائرهم بطريقتهم الفريدة».

بنظري ذلك عدة أمور، الأول: تعظيم السياسة السعودية. ثانيا: أنه يؤمن ببناء الدول بسواعد أبنائها. ثالثا: تقزيم وتعرية المفهوم المعتمد على رواية أنه لولا المساندة الأمريكية، لن تقوم قائمة للسعودية، ولدول الخليج. إنها صفعة مدوية لطبقة سياسية، ترى أن المنطقة لا تستطيع العيش دون اليد الأمريكية.

يمكنني القول إن ترامب أنهى أسلوبا سياسيا أمريكيا، يقوم على حتمية النفوذ الذي يرقى التدخل بشؤون الغير - لا سيما الحلفاء - وتفسير ذلك، أن قناعات الديموقراطيين والمحافظين، وحتى شريحة من الجمهوريين، وبعض من أعضاء الكونغرس «باطلة»، ولم تجلب لأمريكا إلا الخسارة.

يتضح أن الرئيس الأمريكي غربل أفكار ساسة بلاده، لا سيما أولئك الذين يعتمدون على نرجسية تضعهم في عزلة عن العالم الآخر. فلا يمكن أن يكون حديثه عن الذين يسمون بـ»بناة الدول»، ودمروا دولا أكثر مما بنوا، وتدخلوا في مجتمعات معقدة، لم يكونوا يفهمونها أساسا. وأن روائع الرياض المبهرة، لم تبنَ بواسطة المحافظين الجدد، ولا المنظمات الليبرالية غير الربحية، التي أنفقت تريليونات الدولارات، وفشلت في تطوير بغداد، ومدن أخرى كثيرة؛ قد مر بواشنطن مرور الكرام. الكلمات مؤلمة، كشفت تاريخا مخفيا.

إن السلام والازدهار والتقدم، الذي تعيشه المملكة، ليس نتاج تخطيط قادم من الغرب. أو اقتراحات جاء بها موفد أجنبي. بل نابع عن الحفاظ على قيم متجذرة، مرتبطة بتقاليد، وموروث أصيل.

يستوعب السعوديون أن كل ما قاله ترامب عن وطنهم وقيادتهم أمر واقع، البناء والنهضة والحداثة أمر واقع، القوة والاقتصاد أمر واقع، الأحلام والتطلعات أمر واقع، الارتباط بالجذور والتاريخ أمر واقع، المحورية والثقل الاستراتيجي، أمر واقع.

كما فهموا كيف قلب «الملاكم الأشقر»؛ الطاولة.. على الدولة العميقة.!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق