نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رغبات أبنائنا في التخصصات الجامعية لا تحقق, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 10:43 مساءً
أعتقد أن المنصة الوطنية للقبول الموحد «قبول» تمثل خطوة تنظيمية متقدمة وتقوم بعمل جيد في توحيد وتيسير إجراءات القبول، إلا أنها ليست الحل الكامل لمعضلة القبول الجامعي، فالأرقام والواقع يشيران إلى أن نسبة كبيرة من الطلاب لا يُقبلون في رغبتهم الأولى، خاصة في التخصصات ذات الإقبال المرتفع مثل: التخصصات الصحية والهندسية والحساب الآلي والذكاء الاصطناعي والقانون وغيرها.
هذه الفجوة بين الرغبات والمتاح الفعلي من المقاعد تدفع كثيرا من الطلاب إلى التنازل والبحث عن رغبات بديلة قد لا تتناسب مع طموحاتهم أو ميولهم أو سماتهم الشخصية، ويتفاقم هذا التحدي في ظل غياب التوجيه المهني والإرشاد الأكاديمي الفعّال، الذي يساعدهم على اتخاذ قرارات دراسية أو تخصصية أكثر وعيا، ويبصرهم بقدراتهم وإمكاناتهم، إلى جانب الخيارات المتاحة لهم، الأمر الذي قد ينعكس سلبا في وقت لاحق على اندماجهم الأكاديمي وفرصهم الوظيفية.
وقد زادت المنافسة حدة بعد أن فُتح المجال للتقديم على التخصصات من مختلف مناطق المملكة، وليس فقط من المنطقة التي تتبع لها الجامعة، وهو قرار إيجابي في مجمله؛ حيث يرفع من مستوى التنافسية، ويحسن جودة العملية التعليمية، ويُسهم في رفع كفاءة المخرجات الأكاديمية، وهو مكسب وطني على المدى البعيد.
لكن في المقابل، هذا القرار زاد من صعوبة القبول في هذه التخصصات التي يعتقد أنها تسهم في الحصول على وظائف جيدة، في ظل محدودية المقاعد المخصصة، مما جعل من النادر أن يُقبل الطالب في رغبته الأولى، بل وحتى الثانية أو الثالثة.
النقطة الجوهرية هنا، من وجهة نظر المتقدمين للدراسة الجامعية، تكمن في أن بعض التخصصات تمنح فرصا وظيفية أفضل ومسارا مهنيا أكثر ضمانا، في مقابل تخصصات نظرية وأخرى لا تزال تتصدر قوائم الرغبات في بعض الجامعات الرائدة وغيرها، على الرغم من ارتباطها بمعدلات بطالة مرتفعة، أو بفرص عمل محدودة ذات دخل منخفض، وغالبا في مجالات بعيدة عن التخصص الدراسي للطالب.
وبالتالي، تتكشف فجوة كبيرة بين التخصصات التي لا تزال تحظى بطلب مرتفع في سوق العمل، ويُقبل عليها الطلاب بشدة وسط منافسة عالية لقلة عدد هذه التخصصات، وبين تخصصات أخرى كثيرة قد تنذر خريجيها ببطالة مبكرة أو بفرص عمل محدودة لا تتناسب مع تخصصاتهم أو الجهد والوقت المستثمرَين خلال سنواتهم الدراسية، ولا يقتصر أثر هذا التفاوت على فرص التوظيف فحسب، بل يمتد ليولد مشاعر الإحباط وفقدان الحافز لدى الخريجين، وربما يؤدي إلى تسربهم من الجامعة أو بحثهم المتأخر عن مصادر بديلة للرزق، كل ذلك ينعكس سلبا على تطلعاتهم المهنية واستقرارهم الاقتصادي والاجتماعي، ويؤثر أيضا بشكل كبير على وضعهم النفسي والأسري.
ومن هنا، فإن الجامعات «شئنا أم أبينا» تساهم بشكل كبير في ارتفاع نسب البطالة، رغم إنكارهم لذلك، أو في صعوبة حصول أبنائنا على فرص وظيفية جيدة، ولهذا، فإن مسؤوليتها تفرض عليها، رغم التأخر الكبير، أن تعيد النظر في خارطة تخصصاتها، وتعمل على استحداث برامج دراسية تتماشى مع احتياجات سوق العمل، وتتجه نحو التخصصات البينية التي تجمع بين مجالات وتخصصات متعددة، وتمنح الخريجين مرونة وكفاءة أعلى في سوق التوظيف، لم يعد كافيا أن يتخرج الطالب بشهادة جامعية ذات التخصص الواحد التقليدي فقط، بل المطلوب أن يتخرج وهو يمتلك مهارات مهنية لعدة تخصصات مطلوبة، ومرونة معرفية جيدة، وشهادات احترافية، وقدرة أكبر على التأقلم مع متغيرات سوق العمل المتسارعة والمتنافسة محليا وعالميا، مع إعادة توجيه الطاقة البشرية نحو مجالات أكثر طلبا وتأثيرا.
0 تعليق