فارس الأحلام

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فارس الأحلام, اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 10:12 مساءً

بين صورتين... فارس منسوج من الخيال، وآخر يحرس البلاي ستيشن من الكنبة، تقف فتاة اليوم عند مفترق طرق وأحلامها تعدها بالسعادة في قرار الزواج المصيري، لكنها تجد نفسها أمام سؤال مربك: هل تختار أفضل الأسوأ أم أسوأ الأفضل؟ تلك الصورة العالقة لفتى الأحلام، الشريك المثالي شكلا وعقلا وعاطفة، الجامع بين الرومانسية والرجولة، المعيل والراعي والقوّام، لا تزال تحكم جزءا من الخيال الجمعي للبنات. وعن هذا الفارس يدور النقاش اليوم، بحثا عن صورته الحقيقية وما تريده فتاة عصرنا الحاضر.

صورة فتى الأحلام تصنعها وسائل الإعلام والفن والدراما؛ فارس مليح، أنيق المظهر، مفتول العضلات، رومانسي الطبع، لبق الكلام، وناجح ماديا. غير أن منصات التواصل أضافت إلى هذه الصورة بعدا افتراضيا جديدا، فظهر نموذج الرجل الجاهز للزواج ثانيا وعاشرا، و«الشوجر دادي» المستعرض، في مقابل جيل من الشباب يوثق تفاصيل حياته بين السيارات الفارهة والسفر المتكرر. ومع انتشار مقاطع الرجل «الدلوع» وموجة السخرية من فكرة الالتزام، يتشكل وعي جمعي جديد يربط الرجولة بالماديات واستعراض الممتلكات والمتعة والرفاهية، مما يعمق الفجوة بين الصورة المبالغ فيها وتوقعات المرأة من الشريك الحقيقي في الحياة.

تغيرت تطلعات البنات خلال العقد الأخير، وارتفع سن الزواج إلى أواخر الثلاثينات، نتيجة التوسع في التعليم والسعي إلى الاستقرار المهني. أصبحت الفتاة توظف تعليمها للمساهمة في اقتصاد الأسرة والمجتمع قبل التفكير في الارتباط العائلي. تشير بيانات الهيئة العامة للإحصاء لعام 2023 إلى أن 32% من السعوديات في الفئة العمرية 15–49 عاما لم يسبق لهن الزواج، بينما يشكل الذكور 50.2% من السعوديين مقابل 49.8% للإناث، بفارق يتجاوز مئة ألف رجل. هذا التفاوت البسيط لا يفسر الظاهرة وحده، لكنه يعكس إعادة ترتيب للأولويات في ظل تغير معايير الاختيار وتنوع الفرص أمام كلا الطرفين.

أصبح التفكير في الارتباط يثير لدى الفتاة قلقا متزايدا، ويتصدر هذا القلق هاجس تغير الشريك بعد الزواج. ويكبر الخوف مع الحكايات المتكررة والصادمة لزيجات بدأت بحب كبير وأفراح مبهرة ثم انتهت بخلافات على تفاصيل تافهة، أو استمرت شكليا تحت وطأة التزامات الحياة. ليبقى الزواج محصورا داخل إطار تقليدي يرى أنه مساحة راحة للرجل أكثر من كونه مسؤولية متبادلة، وتجد المرأة نفسها أمام فجوة مرعبة بين من أحبته يوما، والرجل المختلف الذي تعيش معه فعليا.

ولا بد من التأكيد على أن قرار الزواج اليوم يرتكز على الحسابات الاقتصادية أكثر من العاطفية؛ فتكاليف السكن والمعيشة وضغوط العمل تدفع كثيرا من الشباب للتأجيل رغم جاهزيتهم النفسية. وهناك من يتحمل مسؤولياته بجدية لكنه يواجه توقعات مثالية أو مادية من بعض الفتيات، ما يزيد الزواج تعقيدا. المشكلة أيضا تتعلق بالوظائف، المدينة الحديثة، والسيولة العاطفية. أما قضية زوجة المستقبل وسوق الزواج، فستتناولها مقالة مستقلة لاحقا.

والطبيعي أن يكون الشاب هو الطرف المبادر في تشكيل مؤسسة الزواج، وتقع على عاتقه مسؤولية تتطلب استعدادا نفسيا وسلوكيا ناضجا للشراكة. وعندما ينشأ في بيئة تقوم على الراحة والدلال والحماية الزائدة يكبر في العمر دون أن ينضج في التجربة، ويجد صعوبة في الانتقال إلى دور الزوج والأب. الشاب الذي يقضي جزءا كبيرا من يومه بين المقاهي وألعاب الفيديو، يصعب عليه استيعاب فكرة أن هناك من سيشاركه تفاصيل حياته اليومية مدى الحياة. وعندما تتقدم في أولوياته الصداقات، والسفر، والمتعة، والعمل، على حساب فكرة تكوين أسرة. فكيف يمكنه حمل مسؤولية أسرة وهو لم يحمل مسؤولية نفسه بعد؟

فتى الأحلام تصنعه الأمهات في البيوت بالتربية والقدوة، لا عبر الخيال أو صورة «السوبر هيرو» صاحب العضلات. يفترض بالشباب أن يدركوا أن الزواج لم يعد البوابة السحرية للخلاص الأنثوي المنشود، إنما هو تأسيس لعلاقة متكافئة تعتمد على التفاهم والمصلحة المتبادلة بعيدا عن الثنائية التقليدية، التي تحصر الرجل في دور المعيل والمرأة في خانة المربية، فالأدوار اختلفت وتداخلت تماما في عصرنا الحاضر.

وفي رأيي يمكن تحسين الجاهزية للزواج بخطوات سهلة: لقاء عائلي شهري للحديث عن المسؤوليات، وتعليم الأبناء كيفية إدارة مصروفهم، والحد من متابعة الصور المثالية في الإعلام. كما تفيد الجلسات الصريحة بين المخطوبين حول المال والوقت في توضيح ما ينتظر الطرفين، ويساعد وضع «ميثاق شخصي» لكل منهما على بدء العلاقة بوضوح بعيدا عن المبالغة في التوقعات.

الزواج اختيار متعمد للرفقة، مشروع يمتد إلى المستقبل، غير أن معالم فارس أحلام المستقبل تتشكل قبل الزواج بسنوات طويلة، داخل بيوت لا تهيئ أبناءها للدور الأعظم في الحياة. وما لم تتغير البيوت، ستظل الحكاية تعيد نفسها دون فوارس، بنهايات مفككة وخراب في قيم الأسر السعودية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق