هل تهتز الدبلوماسية الرياضية حين يتراجع الأداء؟

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل تهتز الدبلوماسية الرياضية حين يتراجع الأداء؟, اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025 11:31 مساءً

لم تعد كرة القدم مجرد لعبة تتابع للمتعة أو الترفيه، بل أصبحت اليوم لغة عالمية تقرأ من خلالها صورة الدول، وتقاس بها قدرتها على التأثير وبناء الحضور الرمزي في الوعي العالمي. ولهذا، فإن أي حديث عن أداء المنتخبات لم يعد محصورا في حدود الرياضة، بل يمتد ليلامس أبعادا أوسع تتعلق بالهوية والصورة الذهنية والدبلوماسية الناعمة.

في السنوات الأخيرة، أولت المملكة العربية السعودية الرياضة اهتماما واسعا، ليس فقط من حيث البنية التحتية أو استضافة البطولات، بل بوصفها جزءا من مشروع وطني أشمل يهدف إلى تعزيز الحضور الدولي، وبناء صورة حديثة تعكس طموح المجتمع السعودي وتطلعاته. ومن هذا المنطلق، باتت الرياضة إحدى أدوات التعبير عن التحول، وليست نشاطا منفصلا عنه.

غير أن هذا المسار، بطبيعته، لا يخلو من التحديات. فحين يتراجع الأداء في بعض البطولات، كما حدث في بعض المشاركات الإقليمية ومنها بطولة كأس العرب، يبرز تساؤل مشروع: كيف يمكن قراءة هذه النتائج في سياق المشروع الرياضي الأكبر؟ وهل تؤثر فعلا على صورة الدولة ودبلوماسيتها الرياضية؟

من المهم هنا التمييز بين الخسارة كجزء طبيعي من المنافسة، وبين دلالتها الرمزية. فالجمهور، محليا وخارجيا، لا يتعامل دائما مع النتائج باعتبارها أرقاما فقط، بل يربطها أحيانا بجودة التخطيط والاستعداد، وبمدى وضوح الرؤية. وفي عالم سريع التأثر بالصورة والانطباع، قد تختصر مباراة واحدة كثيرا من الجهود المبذولة، حتى وإن كان ذلك غير منصف.

في بعض اللحظات، لا تكون الإشكالية في النتيجة ذاتها، بل في غياب خطاب واضح يشرح السياق، ويضع الأداء في إطاره الطبيعي، ويطمئن المتابع بأن ما يحدث هو جزء من مسار طويل لا يقاس بمباراة واحدة. هنا تتقاطع الرياضة مع الإعلام، وتبرز أهمية الخطاب المتزن الذي لا يبالغ في التبرير ولا يبالغ في جلد الذات.

الدبلوماسية الرياضية، في جوهرها، لا تبنى على الفوز وحده، بل على القدرة على إدارة الفوز والخسارة معا. العالم لا يراقب الأهداف فقط، بل يراقب طريقة التعامل مع النتيجة، ولغة الخطاب، ومستوى الوعي في التعاطي مع اللحظات الصعبة. فالدولة التي تمتلك رؤية واضحة تستطيع أن تحول التحدي إلى مساحة تعلم، لا إلى مصدر ارتباك.

وفي الحالة السعودية، تبدو الفرصة متاحة لتعميق هذا الفهم. فالمشروع الرياضي لا يزال في طور النمو، وما يرافقه من تجارب متباينة هو جزء طبيعي من مسار التطوير. الأهم هو أن يقدم هذا المسار للرأي العام بواقعية وثقة، بعيدا عن المبالغة في التوقعات أو التهوين من التحديات.

إن قوة الدبلوماسية الرياضية لا تكمن في تحقيق الانتصارات فقط، بل في القدرة على الحفاظ على صورة متزنة للدولة، حتى في لحظات التراجع. فالعالم يحترم الدول التي تعترف بالتحديات، وتتعامل معها بعقلانية، وتظهر استعدادها للتعلم والتطوير.

وفي النهاية، ربما لا يكون السؤال الحقيقي: هل فاز المنتخب أم خسر؟

بل: كيف قدمت هذه النتيجة؟ وكيف جرى توظيفها ضمن سردية أوسع تعكس نضج التجربة الرياضية، وتؤكد أن المشروع أكبر من مباراة، وأعمق من نتيجة.

فالدبلوماسية الرياضية لا تقاس فقط بعدد الأهداف، بل بقدرتنا على تحويل كل تجربة، ناجحة كانت أو متعثرة، إلى خطوة إضافية في مسار طويل من البناء والثقة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق