الكذب أهم من الحقيقة!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الكذب أهم من الحقيقة!, اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 12:51 صباحاً

الإشاعة والكذب يصلان إلينا قبل الحقيقة، فهما لا ينتشران كالنار في الهشيم، بل كعدوى رقمية تغذيها الخوارزميات وتسرعها نقرات المستخدمين، بينما تلهث الحقيقة خلفهما، متأخرة، متعبة، وأحيانا غير مصدقة، وربما لا تصل!

ليس لأن الحقيقة ضعيفة، بل لأن الكذب يعرف جيدا كيف يلفت الانتباه؛ في زمن الإعلام الرقمي، لم تعد المعلومة تقاس بصحتها، بل بسرعة انتشارها، ولم يعد الخبر يقوم بمهنيته، بل بعدد التفاعلات التي يحققها.

الأخبار السلبية، والمضللة أحيانا، لا تنتشر مصادفة، فهي تخاطب أقدم منطقة في الدماغ البشري وهي منطقة الخطر، فالإنسان مبرمج فطريا على الانتباه لما يخيفه، يهدده، أو يغضبه.. لذلك، فإن خبرا يحمل صدمة، فضيحة، أو اتهاما، يوقظ الحواس فورا، ويشارك دون تفكير، بينما تمر الحقيقة الهادئة بلا أثر يذكر.

الكذب أكثر إغراء لغويا، يصاغ بجمل قصيرة، عناوين صادمة، ومبالغات محسوبة؛ أما الحقيقة، فهي غالبا مليئة بالسياق، تحتاج تفسيرا تتطلب صبرا وفهما، وفي عصر السرعة، لا يملك كثير من المتلقين رفاهية التمهل، فيختارون الرواية الأسهل، حتى لو كانت خاطئة، لتأتي خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي لتصب الزيت على النار، وتشعل فتيل الانتشار، لأن هذه الخوارزميات لا تسأل عن صحة الخبر، بل تسأل هل أثار تفاعلا؟

والتفاعل للأسف، يولده الغضب والجدل والانقسام أكثر مما يولده الاتزان والعقلانية.

وهكذا، يحصل الكذب على مساحة أوسع، لا لأنه صادق، بل لأنه صاخب، تذكي ناره التحيز لدى الجمهور، فالناس تميل إلى تصديق ما يشبهها، ويوافق قناعاتها، ويغذي غضبها.

أما الحقيقة التي تناقض الرأي المسبق، فغالبا ترفض، أو تشكك، أو تتهم بالتضليل. إعلاميا الحقيقة المؤلمة أن الخبر السيئ أسهل تسويقا، فالعناوين المضللة ترفع نسب المشاهدة، وتزيد الانتشار، وتجذب الإعلانات، ما يدفع بعض المنصات إلى التضحية بالمهنية مقابل الأرقام، وهنا يتحول الإعلام من ناقل للحقيقة إلى صانع للضجيج.

ويبقى العامل الأخطر ضعف الثقافة الإعلامية، لأن كثيرا من المتلقين لا يتحقق من المصدر، ولا يقرأ المحتوى كاملا، ويكتفي بعنوان أو مقطع مبتور، فيتحول من متلق إلى مروج للإشاعة دون أن يشعر.

ختام هذا الألم! الصدق لا يخسر لأنه ضعيف، بل لأنه أخلاقي وبطيء في بيئة تكافئ السرعة والانفعال لا الدقة والمصداقية؛ والسؤال الحقيقي لم يعد لماذا ينتشر الكذب؟.. بل لماذا أصبح الوصول أهم من الحقيقة؟

الإجابة من وجهة نظري مسؤولية مشتركة بين إعلام يستعيد دوره المهني، ومنصات تراجع منطق خوارزمياتها، ومتلق يدرك أن المشاركة مسؤولية، لا مجرد نقرة على لوح الكتروني؛ فالحقيقة لا تختفي.. لكنها تحتاج من يدافع عنها قبل أن تبتلعها الإشاعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق