أحمد مغربي
في عام 2025، لم تعد زيادة الحسابات النشطة في بورصة الكويت مجرد رقم يدرج ضمن تقارير إحصائية دورية، بل تحولت إلى علامة فارقة عكست تحولا عميقا في سلوك المستثمرين، ورسالة واضحة بأن السوق الكويتي دخل مرحلة جديدة كليا مقارنة بالسنوات السابقة، مرحلة استعادت فيها حركة التداول الفعلي وزنها الحقيقي بعد فترة طويلة من الحذر والترقب، وترسخت خلالها ملامح تعاف واضح لم تعد قابلة للتجاهل أو التفسير كتحسن عابر.
وجاءت عودة المستثمرين الأفراد الكويتيين في صدارة هذا التحول، بوصفها العامل الأبرز في إعادة تنشيط السوق، إذ عاد أكثر من 22 ألف متداول كويتي إلى التداول الفعلي خلال عام 2025، حيث ارتفع عدد حساباتهم النشطة بأكثر من ١١٠% من نحو 20 ألف حساب في مايو 2025 إلى أكثر من 42 ألف حساب بنهاية نوفمبر 2025، في فترة زمنية وجيزة تعكس تحولا نوعيا في القرار الاستثماري المحلي.
وتعكس هذه العودة استعادة الثقة بالسوق بوصفها المحرك الأول لأي دورة استثمارية مستدامة، لاسيما أنها لم تكن موجة مضاربية مؤقتة، بل جاءت نتيجة إدراك متزايد لدى المستثمر الكويتي أن السوق بات أكثر نضجا وقدرة على توليد عوائد مجزية ضمن بيئة تنظيمية أوضح وأكثر استقرارا.
هذا التحول لم يقتصر على المستثمر المحلي وحده، بل امتد ليشمل المستثمرين الخليجيين والأجانب، في دلالة واضحة على اتساع قاعدة الثقة بالسوق على المستويين الإقليمي والدولي، فالأرقام الصادرة عن الشركة الكويتية للمقاصة، والخاصة بحسابات التداول النشطة وغير النشطة خلال عام 2025، لا تكتفي بتسجيل نمو عددي، بل توثق طفرة تاريخية غير مسبوقة في وتيرة عودة المستثمرين إلى التداول الفعلي، مدفوعة بتحسن الأداء العام للسوق، وارتفاع مستويات العائد، واستعادة الثقة التي غابت لسنوات.
وتكتسب هذه الأرقام وجاهة إضافية لأنها تعكس نشاطا حقيقيا لمستثمرين من جنسيات متعددة نفذوا صفقات فعلية خلال فترة زمنية قصيرة، وليست مجرد تحركات مؤقتة.
ولفهم عمق هذا التحول، لا بد من العودة إلى نهاية عام 2024، حين كان المشهد الاستثماري يتسم بحذر شديد، فقد بلغ عدد الحسابات النشطة آنذاك نحو 22.5 ألف حساب فقط، مقابل أكثر من 409 آلاف حساب غير نشطة، ما عكس حالة ركود واضحة في التفاعل مع السوق، رغم بقاء قاعدة المستثمرين واسعة من حيث العدد الاسمي.
في تلك المرحلة، كانت الغالبية تراقب من الخارج، مترددة في العودة، ومتأثرة بتجارب سابقة اتسمت بتذبذب الأداء وضعف المحفزات، وهو حذر شمل المستثمرين الكويتيين والخليجيين والأجانب على حد سواء.
ومع دخول عام 2025، بدأ هذا المشهد يتغير بشكل تدريجي، ففي أبريل 2025، بلغ عدد الحسابات النشطة نحو 22.19 ألف حساب، وهو مستوى قريب جدا من أرقام نهاية 2024، ما أعطى انطباعا في تلك المرحلة بأن السوق لا يزال في طور التهيؤ وبناء الثقة فقط.
غير أن الأشهر اللاحقة حملت تحولا دراماتيكيا في وتيرة النشاط، إذ تسارعت عودة المستثمرين بشكل لافت، وقفز عدد الحسابات النشطة إلى 45.8 ألف حساب بنهاية نوفمبر 2025، بزيادة تفوق 32.6 ألف حساب نشط خلال 7 أشهر فقط، وبمعدل نمو تجاوز 103.5%، وهي وتيرة لم تسجلها بورصة الكويت منذ سنوات طويلة.
ويعود جزء مهم من هذه الزيادة إلى تنامي مشاركة المستثمرين غير الكويتيين، الذين بدأوا العودة التدريجية مع وضوح المسار الصاعد للسوق وتحسن مؤشرات الأداء، غير أن هذه الطفرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن الأداء الاستثنائي للسوق خلال عام 2025، حيث لم تقتصر المكاسب على أسهم السوق الأول فقط، بل شملت شريحة واسعة من السوق، ما أعاد رسم العلاقة بين المستثمر والعائد في ظل تحسن البيئة التنظيمية ووضوح الرؤية الاقتصادية، وهو ما عزز جاذبية السوق لدى المستثمر الخليجي والأجنبي الباحث عن فرص استثمارية مستقرة وعوائد مدروسة في أسواق المنطقة.
في المقابل، أظهرت الحسابات النشطة للمستثمرين الخليجيين وغير الكويتيين نموا متواصلا وإن كان بوتيرة أكثر اتزانا، ما يعكس تحسنا تدريجيا في الجاذبية الإقليمية للسوق الكويتي، فقد ارتفع عدد الحسابات النشطة للمستثمرين الخليجيين الأفراد من نحو 189 حسابا نشطا في بداية العام إلى 331 حسابا نشطا بنهاية نوفمبر 2025، كما زاد عدد الحسابات النشطة للمستثمرين الخليجيين من فئة المؤسسات إلى 491 حسابا نشطا. أما المستثمرون الأجانب، فقد ارتفع عدد حساباتهم النشطة من الأفراد من نحو 1221 حسابا إلى 2229 حسابا نشطا، إلى جانب نمو الحسابات النشطة للمؤسسات الأجنبية إلى 665 حسابا، ما يعكس اتساع الحضور الاستثماري غير المحلي في السوق.
والأهم من حجم هذه الزيادات، هو التحول النوعي في هيكل النشاط داخل السوق، فانتقال عشرات الآلاف من الحسابات من خانة «غير نشط» إلى «نشط» يعني أن السوق لم يكتف بجذب مستثمرين جدد، بل نجح في إعادة تنشيط قاعدة خاملة كانت قائمة لكنها غائبة عن التداول، وهو مؤشر صحي على تعافي الثقة، خصوصا أن إعادة المستثمر المتردد غالبا ما تكون أصعب من جذب مستثمر جديد.
ورغم أن عدد الحسابات غير النشطة لا يزال مرتفعا نسبيا بحكم التراكم التاريخي، فإن الاتجاه العام خلال عام 2025 أظهر تقلصا واضحا في الفجوة بين الحسابات النشطة وغير النشطة، وهو ما يعزز من عمق السوق ويرفع من كفاءته التشغيلية، سواء على مستوى السيولة أو التسعير.
وما تحقق خلال 2025 لا يمكن اعتباره قفزة عابرة مرتبطة بموجة صعود مؤقتة، بل يمثل إعادة تعريف لدور بورصة الكويت في المشهد الاستثماري المحلي، فالسوق لم يعد مجرد منصة لتنفيذ الصفقات، بل أصبح مرآة مباشرة لتوقعات المستثمرين وثقتهم في الاقتصاد. ومع تنامي مشاركة المستثمرين الخليجيين والأجانب، بات السوق الكويتي أكثر اندماجا في الخريطة الاستثمارية الإقليمية، وإذا ما استمر هذا المسار المدعوم بالأداء القوي، والحوكمة، وتحسن الإفصاح، فإن أرقام 2025 قد تذكر مستقبلا أنها نقطة التحول التي أعادت الحسابات النشطة إلى قلب المعادلة الاستثمارية.















0 تعليق