أحلام الآباء تقيد طموحات الأبناء

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أحلام الآباء تقيد طموحات الأبناء, اليوم الاثنين 30 يونيو 2025 12:01 صباحاً

في كل عام، ومع بداية موسم التسجيل في التعليم العالي، تتجدد الأحلام، وتتزاحم الطموحات، ليس فقط في عقول الطلاب، بل في وجدان أسرهم أيضا. فالأب يتمنى أن يرى ابنه طبيبا يرفع الرأس، والأم تأمل أن يصبح مهندسا يشار إليه بالبنان، بينما يقف الابن حائرا، يحمل حلما آخر لا يشبه أحلامهم، وطريقا يراه أكثر انسجاما مع ذاته. إنه ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل صراع قد يرسم ملامح مستقبل بأكمله، ويعيد تشكيل هوية الفرد ومساره المهني والاجتماعي. وهذه الظاهرة شائعة وتستحق التأمل والنقاش، من خلال تسليط الضوء على بعض الآثار السلبية، وتوضيح دور الآباء في دعم اختيارات الأبناء وتحقيق طموحاتهم.

حيث إن التعليم العالي لم يعد مجرد مرحلة دراسية، بل هو استثمار طويل الأمد، يتطلب توافقا بين قدرات الطالب وميوله من جهة، ومتطلبات السوق ومتغيرات العصر من جهة أخرى. وفرض التخصصات على الأبناء من قِبَل الآباء، وإن كان مدفوعا بالحب، إلا أنه قد يخلف آثارا في مرحلة الدراسة والوظيفية لا يُستهان بها؛ تبدأ من غياب الشعور بالمسؤولية، وتمر بمحطات الإحباط وفتور العزيمة، وقد تنتهي بفقدان الشغف وانطفاء الحلم. وأن الشغف هو الوقود الخفي للتميز، فإذا اختفى، وهنت إرادة التعلم، وأطفئت جذوة السعي. ومن هنا، فإن حرمان الأبناء من حرية الاختيار لا يقصي فقط طموحاتهم، بل يسرق منهم فرصة لاكتشاف الذات، ويعيق بناء هوية مهنية متماسكة. والأسوأ من ذلك، أن يُدفع الشاب إلى تخصص لا يملك له أدوات النجاح، فيجد نفسه في مستقبل وظيفي لا يشبهه، ولا يلهمه، مما يفتح الباب على مصراعيه لمشاعر الاغتراب، وعدم الرضا الوظيفي، وربما الاكتئاب.

وإن الدور الحقيقي للآباء ينبغي أن يكون دور الميسّر والداعم، لا الموجه القسري. فالحوار البناء مع الأبناء حول اهتماماتهم، وتشجيعهم على استكشاف قدراتهم، وإرشادهم لاختيار ما يناسب ميولهم، هو ما يخلق جيلا واثقا، واعيا، قادرا على اتخاذ قراراته، وتحمل تبعاته. ويمكن تعزيز ذلك من خلال أدوات علمية موثوقة، ومن بينها "مقياس الميول المهنية" الذي يقدمه المركز الوطني للقياس بالتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)، الذي يساعد على بناء وعي حقيقي لدى الشباب بذواتهم المهنية.

إن واجب الآباء لا يتمثل في رسم المسار بدلا عن أبنائهم، بل في أن يكونوا شركاء في رحلة البحث عن الذات، جسرا يعبر عليه الأبناء نحو المستقبل، لا سدا يعيق طريقهم. فالأبناء لا يحتاجون لمن يحقق أحلامه فيهم، بل لمن يؤمن بأحلامهم، ويمنحهم الثقة ليمضوا نحوها بخطى ثابتة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق