بلغ الابن أشده ونجح في اصطياد وظيفة في شركة مرموقة وبراتب مجزٍ لم يكن يحلم به أبدا.

باركت العائلة لولدها هذه الوظيفة وسألوا الله له التوفيق والسداد، ولأن الولد سر أبيه؛ لا ينفك عن محاكاته والاقتداء به في جميع شؤونه وشجونه، فقد سأل أباه قبل أول يوم عمل في هذه الشركة وقال: أوصني يا أبتاه، ما عساي أن أفعل حتى أرتقي سلم التميز الوظيفي وأصل إلى قمته في هذه الشركة؟!

نظر الوالد إلى الأفق البعيد ثم أخذ نفسا عميقا وفتح عينا وأغلق أخرى وقال: إيييييييه يا ولدي، سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، أي بني، اعلم أنك ستأتي إلى بيئة وظيفية تنافسية، فإن كانت الغلبة فيها للخيرين أثرا وتأثيرا وهذا قليل، فصاحبهم وخذ منهم، واعلم أن نقاء السريرة عندهم، وإنهم أفضل من غيرهم فإنهم على الحق ولن تخيب أبدا.

وإن كان أهل السوء أكثر فكن منهم وخذ حذرك، وتفحص الوجوه والأيدي، وابحث عن أسوئهم الذي يديرهم ويسمعون له، ستجده أقلهم حضورا في المشهد يدير المدير ونوابه كونه صاحب يد تطول ولا تقول!

أي بني اعلم أن سلم التميز والرفعة في هذه البيئات الوظيفية المتخمة بالسوء والسيئين بالمقلوب، فكلما تدنت أخلاقك زادت رفعتك، علاقة طردية وطاردة.

احذر يا بني أن تكون في هذه البيئات الوظيفية المريضة إيجابيا أو خلاقا، والزم صندوق المدير ولا تغادره عنوة أو طواعية من خلال فكرة تطويرية شيطانية تؤزك لتفكر خارجه. كن يا بني مع الآخرين ملتزما بترتيبك وتراتبيتك، فلا تكن في أول الركب فتؤكل ولا في آخره فتهمل.

حاول يا بني أن تصاحب (نقال العلوم) فهو الحامل والمحمول، فإن أردت نشر إشاعة اربطها في رقبته وستجدها على كل لسان، وإن أردت خبرا من هنا أو هناك كان هو (العصفورة) التي تأتيك بالأخبار يقينها ومكذوبها.

أي بني، احذر أن تقول إنني أعلم، وتذكر حكمة جدنا العظيم؛ (آفتي معرفتي راحتي ما أعرف شيء) واحذر أن تحاول التفكير، فهذه ليست مهمتك ولا هو المطلوب منك، فعقلك في إجازة، وكل ما عليك هو تنفيذ ما يقال لك حتى لو كان خطأ، فالعبرة بما يقوله المديرون في العمل وما يطلبونه منك.

نقطة أخيرة يا بني، احذر صحوة الضمير، اجعله ينام هانئا خانعا مطمئنا، لأن صحوته تعني شيئا واحدا؛ خروجك عن إجماع السابقين، وبقاءك وحدك مبتدعا وبعيدا عن قطيع الموظفين، الذين سبقوك بالفضل العظيم فنالوا الحسنيين؛ رضا المدير وإزاحة الضمير.