مواقع التواصل، أصبحت جزءاً لا يتجرأ من الحياة الشخصية اليومية لمختلف الشرائح والفئات العمرية في العالم، حيث إنها تلبي مختلف المتطلبات لكل الجنسيات، لأنها منفذ يلبي مختلف الرغبات الترفيهية والاجتماعية والنفسية والرياضية والإخبارية ومختلف جوانب الحياة. ولكن هناك فئة تستغل هذه المواقع، لتحقق أرباحاً بالنصب والاحتيال، حيث يستغلون جهل بعضهم، وطمع آخرين، لأنهم يجذبون رواد المواقع بعروض لا تقاوم، وفرص للربح مضمونة وعالية جداً، ولكنها في حقيقة الأمر فخاخ إلكترونية تستهدف المستخدمين للاستيلاء على أموالهم.
وتنوعت وسائل الاحتيال، لتشمل كل المجالات فهناك إعلانات تروج للاستثمار في العملات الرقمية، وأخرى تروج للاستثمار في الأسهم، وبعضها يستغل أسماء محال عالمية ومشهورة وغيرها الكثير والكثير، كما أصبحت مجموعات من المحتالين تلجأ لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتركيب مقاطع مصورة لشخصيات مرموقة في المجتمع المحلي والدولي، تؤكد أن هذا النوع من الاستثمار ناجح ويحقق أرباحاً عالية مستغلين ثقة رواد المواقع بتلك الشخصيات، لكنها في حقيقة الأمر ليست إلا طرائق جديدة للنصب والاحتيال.
قضايا احتيال
وشهدت ساحات المحاكم في أبوظبي، عداً من الدعاوى القضائية المشابهة التي أقامها متضررون مطالبين المحتالين بردّ المبالغ التي تعرضوا فيها للنصب والاحتيال، وكانت الأحكام رادعة وعادلة تعطي كل ذي حق حقه، وتحاسب كل من تسوّل له نفسه اللجوء إلى النصب والاحتيال على أفراد من المجتمع.
وفي واقعة من الاستثمار الوهمي استدرج محتالون شخصاً بمشروع استثمار وهمي، عبر مواقع التواصل، وبالفعل استولوا منه على 234 ألف درهم، ما دفعه إلى اللجوء للقضاء وإقامة دعوى، ودانت محكمة أبوظبي للأسرة للدعاوى المدنية والإدارية، المحتالين وألزمتهم رد المبلغ، وغرمتهم 10 آلاف درهم تعويضاً عما أصابه من أضرار نفسية ومعنوية ومادية.
وفي واقعة أخرى لجأ متضرر آخر للقضاء، حيث تواصل معه مجهول، عبر برنامج «واتس أب»، وعرض عليه فرصة استثمار مبلغ على أن يرجعه له مع أرباحه. وقد تبين تعرضه بعد ذلك لعملية احتيال. وبعد البحث والتحري تبين تحويل المبلغ لحسابه، وقضت محكمة العين للدعاوى المدنية والتجارية والإدارية بإلزام المحتال رد 88 ألفاً و550 درهماً.
العملات الرقمية
وفي واقعة مشابهة تعرض شخص للنصب والاحتيال حيث أوهمه محتال من أحد مواقع التواصل، باستثمار أمواله وتوظيفها في العملات الرقمية، ما دفعه إلى إرسال 373 ألف درهم، ومن ثم اكتشف أنه وقع في فخ نصب واحتيال ما دفع اللجوء للقضاء، وقضت محكمة العين الابتدائية بإلزام المحتال رد كامل المبلغ وغرمته 50 ألف درهم.
ولجأت امرأة للقضاء، حيث تعرضت لعملية نصب كلفتها 300 ألف درهم، حيث أوهمها محتال على مواقع التواصل، بقدرته على استثمار أموالها في مشروع سيدر عليها ربحاً كثيراً، وبناء عليه اقترضت المبلغ واستولى على أموالها. ولكن المحكمة قضت بإلزامه بالمبلغ المطالب به وتغريمه 30 ألف درهم، تعويضاً لها عن الأضرار المادية والنفسية والمعنوية.
قصص احتيال
«الخليج» التقت عدداً من الأفراد تحدثوا عن هذه القضية، حيث قال محمد حسن إنه يصادف كثيراً من تلك الإعلانات ومنها الذي يدعو إلى دفع 500 درهم فقط، للاستثمار في شيء ما، مع وعود بتحقيق مكاسب تصل إلى 5 آلاف درهم شهرياً، وهو أمر غير منطقي ولا يصدق حيث لا يوجد أي نوع من أنواع التجارة يستطيع تحقيق هذه الأرباح في تلك المدة القصيرة.
وبين أن الإعلانات والحملات التوعوية التي تبثّها الجهات الحكومية المعنية عن الاحتيال الإلكتروني كان لها دور كبير في توعيته وتثقيفه وحمله على فهم الأمور بالصورة الصحيحة لها، ما مكنه من تخطي تلك الإعلانات الوهمية التي تهدف للنصب والاحتيال.
وأوضح أحمد عاشور، أنه تعرض ذات مرة للاحتيال الإلكتروني، حيث شاهد إعلاناً بصورة شخص مرموق، يتحدث عن ضمان تحقيق المكاسب الطائلة من الاستثمار في نشاط تجاري، ولكنه بعد تسجيل بيانات بطاقته البنكية اكتشف أنه تعرض لعملية نصب، حيث خصم مبلغ من حسابه لحساب آخر خارج الدولة.
تواصل مع البنوك
وبين أنه سرعان ما تواصل مع البنك، لإيقاف البطاقة البنكية وتقديم طلب لمحاولة إيقاف المعاملة واسترداد المبلغ. وبعدها اتضح له أن الشخص المرموق الذي كانت يتحدث في الإعلان لم يكن حقيقياً بل استخدم الذكاء الاصطناعي لتركيب صوته وصورته واستغلال مكانته في المجتمع وثقة الناس بها.
وذكرت روان ياسر، أنها تعرضت ذات مرة للاحتيال الإلكتروني بأحد مواقع التواصل، حيث إنها وجدت إعلاناً عن تخفيضات لمحل ملابس عالمي مشهور بأسعار «جنونية» كما وصفتها تكاد تشكل 20% من الأسعار الحقيقة، وكان نص الإعلان أنه عرض ليوم واحد فقط، ما دفعها للمبادرة بعمل طلب قيمته بنحو 1000 درهم، وبالفعل عبّأت كل بياناتها البنكية وأدخلت رمز التعريف OTP وخصم المبلغ.
وأوضحت أنها انتظرت أن يصل الطلب نحو شهر من المتابعات مع إدارة الصفحة التي طلبت منها، ولكنها لم تجد أي رد، وبعدها تواصلت مع وكيل الملابس في الدولة لتقديم شكوى وشرحت التفاصيل، وبعدها اتضح لها أنها وقعت ضحية نصب واحتيال من مجموعة محتالين زوروا اسم الصفحة والعلامة التجارية وعلامة التوثيق للإيقاع بالضحايا.
المشرّع الإماراتي
وقال المستشار القانوني والمحامي سالم العبد: إن إدارة مواقع التواصل، لا تشترط معايير عالمية محددة لوضع إعلانات مختلفة لكنها تكتفي بدفع كلفة الإعلان فقط، مع تحديد خيارات الفئات المستهدفة من الإعلانات والمناطق والأعمار وغيرها من التفاصيل التي تساعد المحتالين على الوصول إلى ضحاياهم بسهولة، بناءً على البيانات التي يسجلها المستخدمون على مواقع التواصل التي أصبحت تتطلب تفاصيل متعددة منها الإيميل الشخصي ورقم الهاتف وتحديد منطقة السكن وغيرها.
وذكر أن الجهات المعنية في دولة الإمارات وعلى رأسها مجلس الأمن السيبراني ودائرة القضاء في أبوظبي وهيئة تنظيم الاتصالات وغيرها من الجهات تبذل قصارا جهدها لتوعية الجميع بعدم الوقوع ضحايا والانجذاب لمثل هذه الإعلانات الوهمية والمشبوهة، ودورنا نحن الأفراد الفاعلين متابعة تلك التنبيهات ونشرها لتوعية بعضنا بعضاً وتضييق الخناق على المحتالين.
عقوبات رادعة
وقالت المحامية هدية حماد: إن المشرع في دولة الإمارات لم يترك ثغرة إلا تناولها حتى في ما يتعلق بمواقع التواصل التي تتطور وتنتشر بتسارع، حيث ناقشها المشرّع، ووضع عقوبات رادعة للمحتالين وغيرها. ومن جهة أخرى توفر الجهات المعنية منظومة أمنية وتقنية يصعب اختراقها، ولكن السبب الرئيس وراء استمرار وجود ضحايا طمع بعضهم وجهل الآخرين الذي يدفعهم لتسجيل بياناتهم البنكية رغم التنبيهات والتحذيرات من الجهات المعنية.
وبينت أنه من المقرر قانوناً بنص المادة (304) من قانون المعاملات المدنية أنه على اليد ما أخذت حتى تؤديه، ومن المقرر بنص المادة (318) من القانون بأنه لا يسوغ لأحد أن يأخذ مال غيره بلا سبب شرعي فإن أخذه فعليه رده، ومن المقرر قانوناً بنص المادة (319/1) بأنه من كسب مالاً من غيره من دون تصرف مكسب وجب عليه رده إن كان قائماً ومثله أو قيمته إن لم يكن قائماً. ومن المستقر عليه قضاءً أن المقرر وفقاً للمادة 318 من قانون المعاملات المدنية أنه لا يسوغ لأحد أن يأخذ مال غيره بلا سبب شرعي فإن أخذه فعليه رده، وهذه المادة تضع أساس قاعدة الإثراء بلا سبب.
نهب الأموال
وأوضح علي خضر العبادي، أن أغلب المحتالين الذين يستدرجون الضحايا بالنصب والاحتيال يدارون من خارج الدولة حيث يصعب الوصول لهم، ما يكلف الضحايا أموالهم، لذا يجب الحرص الشديد في التعامل مع مواقع التواصل، وعدم الانجذاب لمثل هذه الإعلانات الوهمية التي تهدف بشكل أساسي في نهب أموال المستخدمين.
وقال، على مستخدمي مواقع التواصل التحلي بالدقة وانتقاء الصفحات التي يتعامل معها، واللجوء دائماً للمواقع الرسمية المعتمدة والموثقة، والتأكد من الفروع الرئيسة في الدولة من صحة المعروضات قبل الطلب أونلاين، حيث توجد إعلانات كثيرة تستخدم أسماء محال تجارية مشهورة للنصب.
مواقع غير موثوقة
إلى ذلك، حددت دائرة القضاء في أبوظبي 6 أشكال من الاحتيال في المجموعات الاستثمارية الوهمية في الأسهم والعملات المشفرة عبر مواقع التواصل. مؤكدة أن عبء الوقاية من عمليات الاحتيال يقع على عاتق المستثمرين أنفسهم.
وأوضحت الدائرة أن أشكال الاحتيال تتضمن أن ينشئ المحتالون مجموعات مختصة في تداول الأسهم والعملات المشفرة عبر مواقع التواصل، ويعلن المحتالون عن مجموعاتهم الوهمية عبر الرسائل الإلكترونية ومواقع التواصل، والوعد بأرباح خيالية. ويعززون ثقة الضحايا بإعلان هذه المجموعات عبر مشاهير مواقع التواصل، ويولدون حماسة المستثمرين الضحايا بالعوائد الربحية الأولية المجزية، ويتأثر الضحايا بالعوائد الربحية الأولية، ما يدفعهم إلى زيادة استثمارهم آملين بتحقيق أرباح سريعة، وبعد دفع مبالغ مالية أكبر بالحوالات المالية لحسابات شخصية لا تحصّل أيه أرباح ولا يردّ عليهم أعضاء المجموعة، فيجد المستثمر نفسه قد وقع في عملية احتيال إلكتروني.
وذكرت أن أسباب الاحتيال في المجموعات الاستثمارية الوهمية في الأسهم والعملات المشفرة عبر مواقع التواصل، تتضمن الرغبة في الثراء السريع، والانسياق وراء الوعود بأرباح خيالية، وقلة وعي الأفراد بأهمية البحث والتحري قبل دخولهم في أية استثمارات عبر الإنترنت.
وأكدت أن الأضرار تتضمن خسارة الأموال والدخول في ضائقة مالية، وصعوبة ملاحقة الجناة قضائياً، وقد تكون الأرباح المودعة محولة من ضحايا آخرين ما يعرض المستثمر المخدوع للمساءلة القانونية، وقد يتعرض الضحية للمساءلة القانونية عن مصادر هذه الأموال.
وبينت أن عبء الوقاية من عمليات الاحتيال يقع على عاتق المستثمرين أنفسهم، عبر: الحذر من الانسياق وراء الوعود بأرباح خيالية والتعامل مع هذه الادعاءات بحذر شديد، والابتعاد عن المعاملات المشكوك فيها، والتعامل مع الفرص الاستثمارية التي يتوافر عنها معلومات موثوقة ودقيقة وشفافة بخصوص آلية استخدام الأموال والعوائد المتوقعة.
كما حذرت دائرة القضاء، من شراء السلع عبر المواقع الإلكترونية غير الموثوقة أو المزيفة المعلن عنها عبر مواقع التواصل، وحددت الدائرة بفيديو توعوي نشرته بعنوان: «الشراء الوهمي» 4 أشكال للاحتيال الإلكتروني في عمليات الشراء، هي: استخدام المحتالين لوسائل التواصل، لإعلان مواقعهم الإلكترونية المزيفة، عرض السلع بأسعار منخفضة جداً، والدفع عن طريق حوالة مصرفية أو بطاقة أموال، بعد إجراء عدد من المبيعات تختفي هذه المتاجر تماماً.
وذكرت الدائرة أن أبرز 3 أسباب لوقوع الأشخاص في ذلك النوع من الاحتيال هي: قلة وعي الأفراد تجاه كيفية التحقق من المواقع الإلكترونية غير الموثوقة، الاستخدام الخطأ لمواقع الإنترنت والدخول إلى مواقع غير آمنة، والرغبة في الحصول على المنتجات بأقل الأسعار.
وأشارت إلى أن الأضرار التي قد يتعرض لها الأشخاص بالتعامل مع المواقع الإلكترونية غير الموثوقة هي سرقة بيانات المشتري، وتسلّم منتج مقلد، أو عدم تسلّم منتج على الإطلاق، وخسارة الأموال.
وعن كيفية الوقاية من الاحتيال الإلكتروني أكدت الدائرة أنه يجب عدم الثقة بأي موقع لمجرد رؤية إعلان له على وسائل التواصل، والتحري عن تقييم الموقع والتعليقات عليها، والتعامل والشراء عبر الموقع الأصلي هو الخيار الآمن، والحرص على قراءة سياسة حل النزاعات والشكاوى والاسترداد وتفاصيل الاتصال.

















0 تعليق