طريق الرياض - الدمام.. اختبار النجاة!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
طريق الرياض - الدمام.. اختبار النجاة!, اليوم الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 12:01 صباحاً


تربطني علاقة طويلة منذ عقود مع طريق الرياض - الدمام السريع، حيث لا تقل أسفاري عليه سنويا عن 10 أسفار أو بأقل تقدير كل شهر مرة، تعرضت فيه لمواقف والحمد لله كانت أقدارا طفيفة، وإن كان ظاهرها مهلكا إلا أن لطف الله كان الفيصل لنجاتي أنا ومن معي ولله الحمد.

في كل مرة أرتاد هذا الطريق يكون أول حساباتي «الشاحنات» وخطرها على مرتادي الطريق، للأسف حصل كذا موقف معها كادت أن تكون مميتة أو خطرة جدا؛ بالأمس كان آخرها عندما تجاوزت شاحنة خط سير الشاحنات على المسار الثالث، والتي كانت واقفة بسيل من الشاحنات، لتنتقل فجأة للمسار الأوسط الذي كنا عليه دون اكتراث، وتتوقف لتضعنا أمام القدر المحتوم لا نستطيع لا الانحراف بمركبتنا للمسار الأيسر بسبب وجود مركبات مسرعة، والفرامل قد لا تسعفنا بسبب المسافة، وربما لو أسعفتنا لن تسعف من خلفنا، ولولا الله ثم فطنة سائق المركبة التي على اليسار، وأفسح لنا قليلا مستخدما أكتاف الطريق لوقعت كارثة!!

الطريق الذي يمتد لما يقارب 386 كيلومترا، ويعد من أهم الشرايين الحيوية في المملكة، لم يعد مجرد مسار يربط بين منطقتين محوريتين اقتصاديا، بل أصبح تجربة يومية تختبر أعصاب المسافرين، ووعي السائقين، وكفاءة التنظيم، وأولوية السلامة.

من الناحية النظرية، الطريق مصمم وفق معايير الطرق السريعة «عدة مسارات في كل اتجاه، أكتاف جانبية، فواصل أمان، وسعة استيعابية عالية؛ لكن الواقع الميداني يحكي قصة مختلفة تماما. فالمشهد الأبرز الذي يواجه المسافر هو «التكدس الكثيف للشاحنات الثقيلة»، ليس في مقاطع محدودة، بل على مسافات طويلة تمتد أحيانا لعشرات الكيلومترات، وفي بعض الرحلات تكاد ترافقك الشاحنات من بداية الطريق حتى نهايته.

المشكلة ليست في وجود الشاحنات بحد ذاتها؛ فالنقل البري ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني وسلاسل الإمداد، خصوصا في طريق يربط موانئ المنطقة الشرقية بالعاصمة ومناطق المملكة المختلفة، لكن الإشكالية تكمن في غياب التوازن بين حركة الشاحنات وحركة المركبات الصغيرة، وغياب التنظيم الواضح الذي يضمن سلامة الجميع.

أحد أبرز مظاهر الخلل يتمثل في عشوائية القيادة لدى بعض سائقي الشاحنات، تجاوزات مفاجئة، انتقال بين المسارات دون إشارات، تمركز طويل في المسار الأيمن، وسرعات غير متناسبة مع حجم المركبة وحمولتها. هذه السلوكيات، حين تجتمع مع الفوارق الكبيرة في السرعة والوزن بين الشاحنات والمركبات الخفيفة، تحول أي خطأ بسيط إلى حادث جسيم.

المنطقة الشرقية، التي يمر بها جزء رئيس من طريق الرياض - الدمام، حققت تقدما واضحا في خفض وفيات الحوادث خلال السنوات الأخيرة، وهو جهد يحسب للجهات المعنية، لكن الطريق ذاته لا يزال يشهد حوادث متكررة، تتناقلها الأخبار بين حين وآخر، تتنوع بين تصادمات عنيفة، وانقلابات أو احتراق، وغالبا ما يكون العامل المشترك فيها هو «السرعة، الشاحنات، أو ضعف إدارة الحركة أثناء الطوارئ أو الأعمال الإنشائية».

وهنا نصل إلى ملف لا يقل أهمية: «أعمال الصيانة على الطريق»؛ لا أحد يعارض مبدأ تطوير البنية التحتية، بل هو مطلب أساسي لمواكبة النمو المتسارع في الحركة والنقل، لكن الإشكال الحقيقي يكمن في طريقة إدارة هذه الأعمال، تحويلات غير منطقية، وأعمال تمتد لفترات زمنية طويلة تتجاوز المدد الطبيعية للإنجاز «كان بالإمكان أسرع».

غالبا لا يوجد اعتراض على العمل، بل أين إدارة المخاطر؟ أين خطط السلامة المؤقتة؟ وأين المحاسبة الزمنية للمشاريع؟

فالطريق السريع لا يحتمل التجربة والخطأ، ولا يجب أن يدار بعقلية «سننتهي حين ننتهي»، لأن الثمن هنا قد يكون أرواحا.

ومن الزوايا المغفلة كذلك، «ضعف أو غياب التفتيش الدوري الفعال على الشاحنات» أثناء سيرها على الطريق، نادرا ما يشاهد المسافر نقاط فحص متنقلة أو ثابتة تعنى بسلامة الإطارات، أو تثبيت الحمولة، أو الحالة الميكانيكية العامة، وحتى نظافة الشاحنة التي تنقل معها معلقات مواقع الأعمال من طين ورمال وحصى، شاحنات بإطارات متآكلة، أو محملة فوق طاقتها، أو تفتقر لأدنى معايير النظافة والسلامة، تسير لمسافات طويلة وبسرعات متفاوتة؛ فانفجار إطار شاحنة على طريق سريع لا يعني توقفا عابرا، بل حادث قد يطال عدة مركبات في لحظات.

كما أن توقيت سير الشاحنات بشكل كثيف في أوقات المساء، وفي فترات الإجازات والسفر العائلي، يضاعف مستوى الخطورة. كثير من الدول المتقدمة في إدارة الطرق تفرض قيودا زمنية واضحة على حركة الشاحنات الثقيلة، أو تخصص لها مسارات منفصلة، أو تعتمد أنظمة ذكية لإدارة تدفقها، هذه التجارب ليست ترفا تنظيميا، بل نتاج دروس قاسية في السلامة المرورية.

القضية في جوهرها ليست مواجهة بين مستخدمي الطريق، ولا تحميلا لقطاع النقل ما لا يحتمل، بل هي مسؤولية مشتركة تتقاطع فيها أدوار المرور، وهيئات الطرق، ووزارة النقل، والجهات المنفذة للمشاريع، وشركات النقل نفسها، الطريق السريع ليس مجرد أسفلت ولوحات إرشادية وخطوط أرضية، بل منظومة متكاملة يجب أن تدار بعقلية «السلامة أولا»، لا «التشغيل بأي ثمن».

ما نحتاجه اليوم هو انتقال من المعالجة الجزئية إلى حلول هيكلية واضحة، تشمل تنظيم أوقات ومسارات الشاحنات بشكل صارم، تشديد الفحص الفني أثناء السير لا قبله فقط، إدارة احترافية لأعمال الطرق بمدد زمنية ملزمة ومعايير سلامة عالية، تفعيل الرقابة الذكية والكاميرات التحليلية، وتحميل الجهات المقصرة مسؤولياتها النظامية.

طريق الرياض - الدمام السريع يمثل صورة عن مستوى الإدارة اللوجستية في دولة بحجم وطموح المملكة؛ وكلما كان آمنا، منظما، وسلسا، كان انعكاسه إيجابيا على الاقتصاد، والسياحة، وجودة الحياة.

فالطريق في النهاية ليس مجرد ممر للبضائع.. بل ممر للناس، ولحياتهم، وأمانهم.

alsheddi@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق