حرق الدمى الشريرة.. نار التقليد الأعمى تهدد سلامة الأطفال

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تجتاح منصاتِ التواصل الاجتماعي، بين الحين والآخر- ظاهرةٌ غريبة تنتشر بين الأطفال والمراهقين، وذلك سعياً وراء التقليد الأعمى، وآخر ما طل علينا «تحدِّي حرق الدمى الشريرة»، حيث يقوم البعض، على سبيل المزاح، بإشعال النار في دمى مصنوعة من مواد سريعة الاشتعال مثل الأقمشة والبلاستيك، أو الشَّعْر الصناعي، الغريب أن الأمر تحوّل من مجرد مزحة إلى سلوك خطير يثير القلق ويهدد سلامة الأفراد والمجتمع، كما تعكس سرعةُ انتشاره واقعاً غريباً، بعد أن أصبح اللهب أداة للبحث عن «الترند».
تعود فكرة «الدمى الشريرة» إلى مقاطع مصوّرة مصدرُها الخارج، تُظهر دمى تماثل شخصيات كرتونية أو خرافية تُحرق وسط مؤثرات موسيقية أو ضوئية، في مشهد يوحي بالانتقام أو القوة، ومع تكرار المشاهد ومشاركتها بكثافة، بدأت تنتشر ترجمات عربية لها، ما دفع بعض صناع المحتوى إلى إعادة إنتاجها محلياً، إما بدافع الفضول أو الرغبة في تقليد ما يثير الجدل.


خلال الأسابيع الأخيرة، رصدت شرطة دبي عدداً من المقاطع التي تتضمّن تصرفات مشابهة، مؤكدةً أنها تتابع عن كثب كل ما يُنشر من محتوى قد يشكّل خطراً على سلامة الأفراد أو الأمن العام.

التريندات الرقمية


عَبَّر عدد من أولياء الأمور عن قلقهم من انتشار هذه الظاهرة بين الأطفال والمراهقين، مؤكدين أن «التريندات الرقمية» أصبحت تهدد سلوكيات أبنائهم اليومية.
وقالت إحدى الأمهات: إنها لاحظت اهتمام طفلها بالمقاطع المصورة على منصات التواصل، وأضافت: «أصبحتُ أتابع كل ما يشاهده على الإنترنت، وأفتح معه حواراً يومياً لأفهم لماذا ينجذب إلى مثل هذه التحديات وأنصحه في حالة الانجذاب ناحية التحديات السلبية».


فيما أكد أبوخالد أن الظاهرة تعكس الحاجة إلى مزيد من التوعية الأسرية والمجتمعية، مشيراً إلى أنه يحرص على مراقبة استخدام أطفاله للأجهزة والتأكد من أن المحتوى الذي يشاهدونه آمن ومناسب لأعمارهم، مع تشجيعهم على ممارسة أنشطة بديلة مفيدة وممتعة، بعيداً عن الشاشات.
وأشار أبوأحمد، إلى أن التربية الرقمية والمرافقة الواعية للأطفال أصبحت جزءاً أساسياً من مسؤولياتهم، لا سيما في ظل سرعة انتشار التريندات الخطرة، وأن التعاون بين الأسرة والمدرسة والمجتمع ضروري لحماية الأبناء من التقليد الأعمى.

الراي الأمني


أوضحت شرطة دبي أنها تتعامل بحزم مع أي سلوك يشكّل تهديداً للأمن أو يروّج لممارسات مؤذية، وأن فرق الجرائم الإلكترونية تراقب باستمرار محتوى المنصات لرصد الاتجاهات السلبية، بالتعاون مع الجهات الإعلامية والمجتمعية، لافتة إلى أن نشر أو ترويج مقاطع تحرض على الإيذاء أو الخطر مخالفةٌ قانونية صريحة وفق التشريعات الإماراتية.
كما شدّدت على أهمية تبليغ الجهات الأمنية فوراً عن أي محتوى يُحرّض على هذه الممارسات أو يشجع عليها، سواء عبر مواقع التواصل أو مجموعات الدردشة.

الجرائم الإلكترونية


دعا الرائد خالد تهلك، نائب مدير إدارة الجرائم الإلكترونية في شرطة دبي- أفراد المجتمع إلى التحلي بالوعي الرقمي، وعدم الانسياق وراء التحديات أو المقاطع التي تستهدف إثارة الفضول أو تقليد مشاهد الرعب، وأن الأمن والسلامة يجب أن يبقيا أولوية فوق أي محتوى ترفيهي.
وأكد على أهمية سرعة الإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية، حيث إن التبليغ المبكر يسهم في الحد من انتشار المحتوى الاحتيالي وحماية المستخدمين من الوقوع ضحايا، وأوضح أنه يمكن مشاركة أي معلومات أو ملاحظات حول مواقع إلكترونية أو حسابات مشبوهة، حيث تتحرك الفرق المختصة فوراً لإغلاقها قبل الإضرار بآخرين.
وأضاف الرائد تهلك، أن شرطة دبي أطلقت موقع ecrimehub.gov.ae، بهدف مساعدة الجمهور على فهم الجرائم الإلكترونية وأساليب الوقاية منها، ويتضمن مقالات توعوية، ومقاطع فيديو موجهة للأجيال الشابة، وأدوات ذكية تفاعلية تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتعليم المستخدمين كيفية حماية أنفسهم من الهجمات الإلكترونية.

تهديد السلامة


أكّدت الأخصائية الاجتماعية ندا الهاجري، أن انتشار «التريندات الخطرة» يشكّل تهديداً حقيقياً لسلامة الأطفال النفسية والجسدية، مشيرة إلى أن بعض المقاطع تُحوّل الفضول الطبيعي لدى الصغار إلى سلوك متهوّر يعرضهم لمخاطر جسيمة.
وأشارت إلى أن مثل هذه الظواهر تعكس الحاجة الملحّة إلى رفع مستوى الوعي الرقمي في الأسرة والمجتمع، فالأطفال يعيشون في بيئة رقمية مفتوحة تتطلب وعياً مضاعفاً من المحيطين بهم، لحمايتهم من التأثيرات السلبية.


فيما أوضحت الأخصائية الاجتماعية ليلي عبد الغفار، أن المنصات الرقمية تعج بمحتوى ترفيهي مضلل يصور تجارب أو تحديات خطرة على أنها مزحة، مؤكدة أن الأطفال يسعون لتقليد ما يرونه على الشاشات دون إدراك العواقب، وهو ما يستدعي تعزيز الرقابة الواعية والحوار المستمر مع الأبناء لبناء وعي رقمي يحميهم من التقليد الأعمى.
وأكدت أن الحوار مع الأبناء يمثل درعاً وقائية فعالة، وأن مسؤولية الحماية تبدأ من داخل الأسرة، عبر مراقبة نوعية المحتوى ومرافقتهم في استخدام التقنيات الحديثة.

ظاهرة دخيلة


قال الدكتور شافع النيادي، خبير التنمية البشرية والعلاقات الأسرية: إن ظاهرة «الدمى الشريرة» دخيلة على مجتمعاتنا، خاصةً أن بعض الأبناء لديهم ميل لحب الظهور ولفت الانتباه عبر ترندات غريبة.
وأكد أن المسؤولية الأساسية تقع على الأسرة، من خلال زرع التربية الرقمية والقيم الصحيحة في نفوس الأبناء، ومشاركتهم في النقاش حول المحتوى الذي يشاهدونه، كما أن دور المدرسة مهم عبر تنظيم ورش عمل توضيحية للأطفال حول كيفية التعامل مع المحتوى الرقمي السلبي وتجنب تأثيره.
فيما أكد الخبير التربوي علي هاشم، أن مواقع التواصل أسهمت بشكل كبير في تحقيق الرفاهية وتنمية الأفكار الإبداعية لدى الطلاب، لكن آثارها السلبية تظهر عند الاستخدام غير المنظم، وأن الطلاب الذين يحاطون برعاية الأسرة وتوجيهها في اختيار البرامج والألعاب الإلكترونية المفيدة لن تتأثر سلوكياً بهذة الظواهر سواء حرق الدمي الشريرة أو غيرها، ما دام استخدامهم مقنّناً وتحت رقابة الأهل.

منصات التواصل


أصبحت منصات التواصل ضرورة يومية، وبات التواصل مع الطلاب عبر المواقع الرقمية ضرورة حتمية، لتوجيه سلوكهم بشكل مستمر نحو كل ما هو سوي ومفيد، ويقول إسماعيلي عبدالسلام: إن التقليد الأعمي بلا وعي سلوك خطير ومضر، لذا لابد من مراقبة الأبناء فيما يشاهدونه عبر هذه المنصات.
فيما ترى نسرين بن درويش، أن دور الأسرة مهم جداً للأبناء، وقالت إن إحدى الدراسات الحديثة أظهرت أن الأبناء من هواة الألعاب الإلكترونية يهتمون بشخصيات وهمية ويتقمصونها، حيث إن 33% منهم يحتفظون بصور هذه الشخصيات في أجهزتهم، فيما يعلق 31% من الذكور و28% من الإناث صور شخصياتهم المفضلة في غرفهم، ويرتدي 15% من الإناث و14% من الذكور قمصاناً تحمل صور الشخصيات الوهمية.
وأكدت أن تقليد هذه الشخصيات العدوانية والدموية يحتاج إلى دور الأسرة في متابعة واختيار الألعاب والوقت المناسب لممارستها، كما أن أجهزة التنشئة الاجتماعية كالمدارس والأندية والمساجد والمكتبات، يجب أن تلعب دورها في توعية الطلاب وجذبهم للحياة الواقعية، بعيداً عن هذه الشخصيات.

دافع عاطفي


أكدت الأخصائية النفسية سينميس ناجي، أن أي سلوك بشري لا يحدث من فراغ، بل يسبقه دافع عاطفي أو شعور داخلي، موضحة أن ترندات مثل «حرق الدمى» تعكس في جوهرها دلالات نفسية لدى الأطفال والمراهقين، كالرغبة في التعبير عن الذات أو جذب الانتباه أو مجاراة الآخرين بحثاً عن الانتماء.
وقالت: إن هذا الفعل قد يكون في بعض الحالات نوعاً من تفريغ الغضب أو الإحباط في كائن غير حي، خاصةً عندما يمر الطفل بمرحلة اضطراب عاطفي أو يشعر بالعجز أمام مواقف معينة.
وحذّرت من خطورة ما وصفته ب «العدوى السلوكية» في العالم الافتراضي، موضحة أن الأطفال والمراهقين يتأثرون بشدة بما يشاهدونه على الإنترنت، لاسيما حين تُعرض الأفعال الخطرة بطريقة جذابة أو بطابع بطولي ممتع. وأوضحت أن هذا النوع من التأثير ينتقل من شخص إلى آخر دون وعي، وبصفة خاصة عندما يراه المراهق سبيلاً للحصول على الاهتمام أو الشهرة.
وقدّمت الأخصائية النفسية مجموعةً من الأساليب الوقائية التي تساعد على منع الأطفال من الانسياق وراء هذه الترندات، أهمُّها الحوار وفهم سبب الانجذاب إلى هذا المحتوى والعواقب التي يخفيها.
من جانبه، أكد الطبيب النفسي علي سامح، ضرورةَ تعزيز الوعي النقدي وتعليم الطفل التمييز بين ما هو واقعي وآمن وبين التقليد الخطير.
وونوه إلى أهمية تحرك المجتمع قبل أن تتحول هذه الترندات إلى سلوك اعتيادي أو تحدٍّ متكرر، وأن متابعة الأبناء لا تعني الشك فيهم، بل مشاركتهم اهتماماتهم اليومية وفهم ما يجذبهم. وأشادت بالفيديوه ات التوعوية التي أطلقتها شرطة دبي للحد من الظواهر الخطرة، وأن الدور الأكبر في الحماية يبدأ من داخل البيت وبين أفراد الأسرة.

مخالفة للقوانين


أكد المحامي محمد المنصوري أن نشر أو تقليد محتوى يحرض على الإيذاء أو السلوك الخطِر، حتى لو كان مجرد مزحة أو تحدٍّ رقمي، يُعد مخالفة صريحة للقوانين الإماراتية.
وقال: إن القوانين الاتحادية واللوائح المحلية الخاصة بالأمن الرقمي وحماية الطفل تنص على مسؤولية الأهل والمجتمع الرقمي عن أي محتوى يشجّع على العنف أو الأذى، وأن الجهات المختصة، مثل شرطة دبي والإدارة العامة للتحريات والبحث الجنائي- لها الحق في رصد المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية ضد من ينشر أو يروّج لهذه الظواهر.
وأشار إلى أن هناك عقوبات قد تشمل الغرامة والسجن في الحالات القصوى، خاصة إذا تسبب السلوك في أذى جسديّ أو نفسيّ للغير.
فيما تري فاطمة المنصوري، من محكمة أم القيوين، أن مثل هذه الظواهر نتاج مباشر لثقافة اللهاث وراء الشهرة السريعة، وأن المراهق الذي يحرق دمية اليوم بحثاً عن المشاهدات قد يُقْدِمُ غداً على فعلٍ أكثر خطراً، حيث يولّد التفاعل الرقمي شعوراً زائفاً بالبطولة، ويدفع البعضَ لتقليد كل ما هو غريب أو صادم، وأن الفضاء الرقمي منح الجميع منبراً بلا وعي كافٍ بالمسؤولية، وأن كثيراً من التحديات التي بدأت كمزاح تحوّلت إلى حوادث مؤسفة في أماكن مختلفة من العالم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق